رأى

الإرشاد الزراعي والتجارة الإلكترونية

أ.د/عادل عبدالسميع شمس الدين

بقلم: أ.د/عادل عبدالسميع شمس الدين

تعد عمليات المقايضة في بداية الزمان الطريقة التي كانت التجارة تقتصر عليها والتي كانت مرهقة وصعبة على الجميع بحكم التقارب الشديد في احتياجات المجتمع الواحد.

وبعد فتره من الزمن اختلف الحال فظهرت الفضة وظهر الذهب وتطور الأمر إلى أن وصل إلى الأوراق النقدية كما نرى الآن في وقتنا الحاضر.

ومع كل هذه التطورات ظل لقاء البائع والمشتري أمراً لا يتم الشراء إلا به، وكما عهدنا هذا الزمن في تطوره السريع نجد أن التجارة تخطت حاجز البعد عن طريق السفن والطائرات التي حولت العديد من الأيام إلى بضع ساعات أو حتى دقائق إلى هنا لم تتوقف عجلة هذا التطور بل زاد الأمر عن هذا بكثير وأصبحت التجارة تحدث بضغطه زر واحد… وهذا ما سمي بـالتجارة الإلكترونية التي تعتمد على ما يعرف بـالاقتصاد الرقمي الذي بدورة يعتمد على تقنية المعلومات أو صناعة المعلومات في عصر الحوسبة والاتصال وهي التي خلقت الوجود الواقعي والحقيقي للتجارة الإلكترونية باعتبارها تعتمد على الحوسبة والاتصال في مختلف الوسائل التقنية للتنفيذ وإدارة النشاط التجاري.

ومصطلح التجارة الإلكترونية يتكون من كلمتين الأولى وهى التجـارة وهـي تشير إلى نشاط اقتصادي يتم من خلال تداول السلع والـخدمات بين الحكومات والمؤسسات والأفراد وتحكمه عدة قواعد ونظم متفق عليها.. والثانية وهى الإلكترونية وهي أداء النشاط التجاري باستخدام الوسائط والأساليب الإلكترونية والتي تدخل الإنترنت كواحدة من أهم هذه الوسائط.. أى أن التجارة الإلكترونية هي تنفيذ وإدارة الأنشطة التجارية المتعلقة بالبضاعة والخدمات، وذلك بواسطة تحويل المعطيات عبر شبكة الإنترنت أو مختلف الأنظمة التقنية وفي الواقع التطبيقي، فإن التجارة الإلكترونية تتخذ أنماطاً عديدة، كعرض البضائع والخدمات عبر الانترنت وإجراء البيوع بالوصف عبر مواقع الشبكة العالمية مع إجراء عمليات الدفع النقدي بالبطاقات المالية أو بغيرها من وسائل الدفع، وإنشاء متاجر افتراضية أو محال بيع على الإنترنت، والقيام بأنشطة التزويد والتوزيع والوكالة التجارية عبر الإنترنت وممارسة الخدمات المالية وخدمات الطيران والنقل والشحن وغيرها عبر الإنترنت.

وفى واقع الأمر فإن التجارة الإلكترونية لها العديد من الفوائد منها: الانفتاح على الأسواق العالمية ومن ثم التسويق الواسع والأرباح الوفيرة؛ وتقليل التكاليف والتواصل الفاعل مع الشركاء والعملاء، وتقصير سلاسل القيمة وفرص أعمال مبتكرة، وتجهيز السلع والخدمات حسب طلب العميل،كما أنها خيار عالمي لتوفير الوقت والجهد وحرية الاختيار وخفض الأسعار وجودة أفضل والاستجابة السريعة للحاجات ونيل رضا المستخدم.

ولكي تتم التجارة الإلكترونية وتحقق أهدافها فيجب توفر عدة شروط لتطبيقها منها: توفير البنية التحتية الضرورية لهذا النوع من التجارة (الاتصالات – الإنترنت…)، ووجود رؤية مستقبلية لدى المنظمات والأفراد للتسويق الإلكتروني، والاعتماد الكبير على تكنولوجيا المعلومات سواء تعلق الأمر بالحاسبات الإلكترونية وتطبيقاتها أو بالاتصالات على مختلف أنواعها، مع الأخذ في الاعتبار عوامل المهارة والكفاءة المتميزة والتركيز الشديد على مهارات استخدام تكنولوجيا المعلومات، والتحول الإلكتروني الكامل لجميع العمليات الإدارية داخل المنظمة أو بين المنظمات وجميع عناصر القيمة المضافة والشفافية والوضوح في كافة المعاملات التي بين أطراف سلسلة القيمة، وضرورة استخدام تقنيات المعلومات وإيصالها لكافة المستويات التي تطلبها وتقديمها وتعريفها للغير.

ومن الضروري التأكيد على أن التجارة الإلكترونية لا تقتصر فقط على أصحاب رؤؤس الأموال أو المشروعات الكبيرة أو الأماكن الحضرية فالحقيقة أنها تمتد لتشمل الإفراد أغنياء وفقراء وكذلك المشروعات الكبيرة والصغيرة كما تتواجد للمناطق الريفية مثل الحضرية وليس أدل على ذلك من وجود العديد من التجارب لدول فقيرة، وفى أماكن فقيرة منها كما كان في بنجلادش والهند وملاوي واوغندة وغيرها من الدول.

ففي الهند على سبيل المثال فقد قامت احد الشركات الخاصة بـتكنولوجيا المعلومات والاتصال بعمل مبادرة لتوصيل المزارعين الفقراء بالأسواق عبر الويب حيث تقوم الشركة بتوفير حاسبات تتصل بـالإنترنت بالقرى الزراعية الريفية لتتيح للمزارعين زيادة دخولهم إذ تعمل مكاتب الاتصالات التي أنشئت بالقرى والتي أصبحت ساحات للتجمع الاجتماعي على تيسير حصول المزارعين على المعلومات المحلية والعالمية المتعلقة بالممارسات الزراعية وأحوال الطقس وأسعار الأسواق واحتياجاتها من المحاصيل وكذلك الأسواق التصديرية وقد أدى ذلك لزيادة الإنتاج من المحاصيل وتحسين التوريد والتوزيع ما انعكس على دخول المزارعين وقد استفاد من المشروع أكثر من 2,4 مليون مزارع في ست ولايات ويتوقع أن يزداد العدد ليصل إلى 10 ملايين مزارع على مدى العقد القادم.

كذلك قامت احد المؤسسات غير الهادفة للربح بالهند بالعمل على توصيل الحرفيين ذو الدخول المنخفضة بالأسواق العالمية حيث قامت هذه المؤسسات بإنشاء مواقع على الويب لتقوم عن طريقها وعلى النطاق العالمي ببيع المنتجات الحرفية مثل الساري الحرير الهندي المنسوج باليد والملابس والمنتجات الحرفية الخشبية والأكياس المصنوعة من القنب وغيرها ومثلت هنا هذه المواقع قنوات توزيع جديدة ما عمل على زيادة دخول الحرفيين الفقراء ولا سيما النساء التي اعتدن بيع منتجاتهن لوسطاء يقومون بدورهم ببيعها إلى المستهلكين بأسعار تزيد كثيرا عن التي دفعوها إلى المنتجين.

والسؤال المطروح الآن هل يمكن أن يكون هناك دور للإرشاد الزراعي بـالتجارة الإلكترونية؟

وللإجابة على هذا السؤال يجب أن  نلاحظ أن من بين المشكلات الرئيسية التي يعانى منها الزراع في أغلب الأوقات مشكلة التسويق وهذا ربما يرجع إلى غياب النظر إلى التسويق بمفهومه الصحيح الذي يبدأ قبل الإنتاج فالمنظومة الصحيحة للتسويق هي السوق – الإنتاج –السوق، ولكن يلاحظ أنه غالباً ما يتم الإنتاج دون معرفة الاحتياجات والمواصفات الحقيقية للأسواق قبل الإنتاج. وهنا تكون عملية بيع لمنتج تم إنتاجه فعلياً ووجب تصريفه وهذا الجانب الأخير في العملية التسويقية.

وإذا ما نظرنا للمفهوم البسيط للتجارة الالكترونية وهو تداول السلع والـخدمات بين الحكومات والمؤسسات والأفراد باستخدام الوسائط والأساليب الإلكترونية، وبالنظر للأطراف المتشاركة في العملية التجارية فنجد إما أنهم بائعون أو مشترون للسلع والخدمات بالإضافة إلى الوسطاء بين الطرفين.

ومن هنا يمكن النظر للدور المتوقع للإرشاد الزراعى في ضوء وظيفتين رئيسيتان هما الوظيفة التعليمية والوظيفة التنسيقية. كما يجب النظر أيضاً لهذا الدور تنظيمياً في ضوء الإطار العام لتقديم الخدمات الإلكترونية الإرشادية.

وعلى ذلك يكمن الدور المتوقع للإرشاد في عملية البيع في تيسير عملية البيع للزراع من خلال الشبكة الإلكترونية من خلال تعريف وتوعية الزراع بكل من المصدرين شركات وأفراد ومتطلبات تلك الشركات، الأسواق الخارجية والداخلية والأسعار بها وتوقعات الطلب والعرض، وكذلك توقعات التصدير والكميات المطلوبة والأصناف وأسواق البيع لها والمشترين لها، وسلاسل القيمة وكيفية التعامل معها، والإعلان والترويج للمنتجات الزراعية، وتصميم الإعلانات الإلكترونية للمنتجات الزراعية على الشبكة، وطرق العرض الجيد للمنتج الزراعي، وكيفية إرسال العينات. كما ينطوي أيضا هذا الدور المتوقع على تيسير عمليات التعاقد الالكتروني من خلال مساعدة الزراع في التعرف على الشروط والالتزامات والواجبات المتعلقة بالعقود، وتوضيح شروط العقود التي تخدم الزراع وكذلك الشروط الجزائية بالعقود للزراع، وكيفية إبرام العقود الإلكترونية للزراع والتوقيع الالكتروني.

علاوة على تيسير الاستلام والتسلم للمنتجات من خلال توعية الزراع بالعينات وشروطها وشروط الطلب بالعينة وشروط تسلمها والإجراءات المرتبطة بها، والوصول لنتائج العينات، وشروط التسليم للمنتجات وبالطبع تسليم عيني، وكيفية الحصول على أثمان المنتجات وفقاً للعقود.

هذا بالإضافة إلى تيسير المعاملات البنكية اللازمة للتجارة الإلكترونية من خلال تعليم وتوعية الزراع بمتطلبات الحساب البنكي وشروطه وإلتزاماته، وكيفية الحصول على التمويل البنكي، وضمانات حقوقهم، وتيسير تصميم المواقع والصفحات الإلكترونية للزراع أفراد وجماعات.

وفيما يتعلق بالشراء فيتمثل الدور المتوقع للإرشاد في تيسير الوصول لمصادر المستلزمات الزراعية (تقاوي – كيماوي – معدات زراعية -…وغيرها) تجار كانوا أو شركات، وكذلك تيسير حصول الزراع على المبتكرات والمستحدثات الزراعية علاوة على تعليمهم مهارات استخدامها وتيسير تعامل الزراع مع أطراف سلسلة القيمة وتيسير حصول الزراع على الخدمات المعلوماتية والتمويلية، كما يعمل الإرشاد على تنمية العمل الجماعي من خلال تيسير الشراء الجماعي من قبل الزراع بتشجيع التحالفات والروابط بين الزراع لتقوية الموقف التفاوضي لهم وغيرها من الأنشطة التي تعمل على تحسين أحوال الزراع من خلال تحسين مستوى دخولهم ومن ثم مستوى معيشتهم.

وعلى ذلك نلاحظ وجود دور جوهري للإرشاد الزراعي مرتبط بـالتجارة الإلكترونية يتمحور حول مساعدة الزراع أفراد وجماعات بمختلف أدوارهم سواء مشترون أو بائعون الأمر الذي يمكنهم من اتخاذ القرارات التي تساعدهم على تعظيم العائد الاقتصادي لهم من خلال النفاذ والوصول للخدمات والسلع  كمشترون لها وكذلك تمكينهم من النفاذ بمنتجاتهم المختلفة إلى الأسواق المحلية والعالمية كبائعين لها.

المراجع:

1ـ عبدالعزيز، محمد عادل التجارة الالكترونية والفكر المحاسبي، الطبعة الأولى، شركة الوسيط التجاري، 2005م.

2ـ http://marwarakha.com/?p=6198

3ـ يحياوى، نعيمة، ويوسف، مريم، التجارة الالكترونية وآثارها على اقتصاديات الأعمال العربية، المجلة الجزائرية للتنمية الاقتصادية، العدد 6 عام 2017م.

4ـ http://www.dfaj.net/index.php?r=journals/Journal&i=236

https://en.wikipedia.org/wiki/E-commerce,visited 5-10-2018.

https://www.investopedia.com/terms/e/ecommerce.asp,visited 5-10-2018.

//www.businessnewsdaily.com/4872-what-is- ecommerce .html ,visited 5-10-2018

*كاتب المقال:  أستاذ الإرشاد الزراعي والتنمية الريفية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى