صحة

«الألكسندرز» الكنز المنسي من الطبيعة.. فوائد صحية وعناصر غذائية مُذهلة في نبتة برية

إعداد: د.شكرية المراكشي

الخبير الدولي في الزراعات البديلة ورئيس مجلس إدارة شركة مصر تونس للتنمية الزراعية

في أحد زوايا الطبيعة، حيث تلتقي الأرض بالبحر ويتسلل النسيم الملحي عبر الأشجار، ينمو نبات ذو طابع غريب وقصة عريقة. إنه الألكسندرز.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

في هذا العالم الطبيعي الخفي، تظهر نباتات تروي قصصا عن التاريخ والحضارات، وبينها نبتة الألكسندرز Smyrnium olusatrum، التي يعود أصلها إلى العصور الرومانية. هذه النبتة البرية، التي انتشرت على السواحل البريطانية بفعل حركة الإمبراطوريات القديمة، تحمل معها فوائد غذائية وصحية مذهلة، جعلتها قديما مكونا رئيسيا في الأطعمة والعلاجات الشعبية. ورغم نكهتها المرّة ورائحتها النفاذة، لا تزال الألكسندرز تُعد كنزا من العناصر الغذائية ومضادات الأكسدة. في هذا المقال، سنتعرف على أعماق خصائص الألكسندرز، وفوائدها الصحية، وعناصرها الغذائية، لنكتشف معا سر اهتمام الحضارات بها عبر العصور.

ينتمي الألكسندرز إلى العائلة الخيمية، وهي ذاتها العائلة التي تضم البقدونس والجزر، إلا أن رائحته الكريهة – خاصة عندما تبدأ أزهاره بالذبول – ليست محببة للجميع. هذا النبات ثنائي الحول، والذي يمكن أن يصل إلى ارتفاع متر ونصف، يتسم بأوراق خضراء لامعة تميل إلى الاصفرار، مقسمة إلى فصوص ذات حواف غير حادة. والسيقان الصغيرة لهذا النبات تبدأ صلبة، لكنها تصبح مجوفة مع تقدم عمرها، وتنتشر فروعه العليا بشكل متقابل، فتشكل شبكة من المظلات الخضراء الكثيفة.

من اللافت في أزهاره الصفراء الصغيرة، التي تتفتح في أوائل الربيع، أنها ثنائية الجنس؛ أي تحتوي على الأعضاء التناسلية الذكرية والأنثوية. وهي تزهر على شكل مظلات متراصة، لا تملك سبلات تحميها، وكأنها تكتفي بوجودها الذاتي دون حاجة إلى إضافة زهرية تحيط بها. في شهر يوليو، تبدأ بذور الألكسندرز بالنضج، حيث يتغير لونها من الأخضر الفاتح إلى الأسود، في انتظار أن توزعها الرياح أو الحيوانات، حاملةً معها الحياة إلى بقاع جديدة.

موطنه وتكيفه 

كانت بداية الألكسندرز المتوسطية الأصل عندما أدخله الرومان إلى بريطانيا، ربما بسبب خصائصه الغذائية والعلاجية؛ فقد كانوا يستخدمون أوراقه وسيقانه كخضار. وبرغم طعمه المر الذي لا يستسيغه الجميع، كان يمثل غذاءً متاحا في ظل الظروف القاسية. ينتشر هذا النبات الآن في معظم المناطق الساحلية في بريطانيا وأيرلندا، حيث يفضل الأراضي الخصبة والمحمية من الصقيع. وفي الشمال، يقتصر وجوده على السواحل الدافئة نوعا ما، إذ يصعب عليه التأقلم مع الشتاء الشديد البرودة في الداخل.

التأثير البيئي 

لقد استفاد هذا النبات، بشكل غير متوقع، من العوامل البشرية. فعلى سبيل المثال، ساعدته عمليات رش الملح على الطرقات في التكيف مع بيئات داخلية بعيدة عن السواحل. لقد أصبح الألكسندرز يزين حواف الطرق وأطراف الغابات والأحراش، وكأن نمط حياته الدائم يتحد مع تطورات البشر البيئية، حيث يواصل نموه وتوسعه رغم تحديات التربة والمناخ.

استخدامات الألكسندرز 

كان الألكسندرز قديما من الأعشاب المفضلة في الطب الشعبي، حيث استخدمت أوراقه وجذوره في عدة علاجات. وتتميز أجزاء هذا النبات بأنها صالحة للأكل، إلا أن الأوراق والسيقان الأكبر عادةً ما تُطهى قبل تناولها، في حين تضاف البراعم الصغيرة والأوراق الطرية إلى السلطات، حيث تضفي نكهة مميزة رغم مرارتها.

وخلال الشتاء، يبدأ الألكسندرز في إنتاج الأوراق الجديدة، في وقت مبكر جدا مقارنة بالنباتات البرية الأخرى، مما يتيح استخدامه غذائياً عندما تكون الموارد الطبيعية شحيحة.

الاشتقاق اللغوي

يحمل اسم Smyrnium دلالة مميزة، فهو مشتق من الكلمة اليونانية smyrnion، وتعني المر، في إشارة إلى التشابه المحتمل بين رائحة الألكسندرز ورائحة المر. أما اسم olus-atrum، فيعود إلى اللاتينية، ويعني “العشبة السوداء”، في إشارة واضحة إلى بذوره السوداء الداكنة.

نبتة الألكسندرز Smyrnium olusatrum تتمتع بتاريخ طويل من الاستخدام في الطهي والعلاج، وقد حظيت بتقدير الحضارات القديمة، وخاصة الرومان.

الفوائد الصحية للألكسندرز

تحفيز الهضم: يحتوي الألكسندرز على مركبات تعمل على تعزيز إفرازات الجهاز الهضمي، ما يجعله خيارا جيدا لمن يعانون من عسر الهضم أو الغازات.

مضاد للأكسدة: مثل العديد من النباتات الخيمية، يحتوي الألكسندرز على مركبات مضادة للأكسدة، بما في ذلك الفلافونويدات والبوليفينولات، التي تساعد في محاربة الجذور الحرة وتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة، كأمراض القلب والسرطان.

تأثير مضاد للالتهاب: يحتوي الألكسندرز على مركبات لها خصائص مضادة للالتهاب، مما يجعله مفيدا في تخفيف الالتهابات الخفيفة، مثل آلام العضلات أو التهابات المفاصل.

تحسين صحة الجلد: يحتوي الألكسندرز على فيتامين C الذي يعزز صحة الجلد من خلال إنتاج الكولاجين الضروري لنضارة البشرة. كما يساعد هذا الفيتامين في تسريع عملية شفاء الجروح.

دعم المناعة: من خلال محتواه العالي من الفيتامينات والمعادن، يدعم الألكسندرز جهاز المناعة، حيث يعزز مقاومة الجسم للالتهابات والأمراض.

تنظيم ضغط الدم: يعتبر الألكسندرز مصدرا للبوتاسيوم، الذي يساعد على تنظيم ضغط الدم عن طريق تقليل تأثيرات الصوديوم وتحسين صحة الأوعية الدموية.

التخفيف من القلق والتوتر: تشير بعض الدراسات إلى أن تناول الأعشاب الغنية بالبوليفينولات يساعد في تقليل التوتر وتحسين المزاج، وقد تكون الألكسندرز ضمن هذه الأعشاب.

العناصر الغذائية في الألكسندرز

1ـ الفيتامينات:

ـ فيتامين Cيوجد بتركيز عالٍ في الأوراق والسيقان الطازجة، ويساعد في تعزيز المناعة، وحماية الخلايا من التلف، وتحفيز إنتاج الكولاجين.

ـ فيتامين A  ضروري لصحة العين، ونمو الخلايا، ودعم جهاز المناعة.

2ـ المعادن:

ـ الكالسيوم: لدعم صحة العظام والأسنان، كما يلعب دورًا في وظائف العضلات والأعصاب.

ـ البوتاسيوم: عنصر مهم لتنظيم ضغط الدم، والمساهمة في الحفاظ على توازن السوائل في الجسم.

ـ المغنيسيوم: يؤدي دورا في وظائف العضلات والأعصاب، ويعزز صحة القلب.

3ـ الألياف الغذائية:

تحتوي أوراق وسيقان الألكسندرز على نسبة عالية من الألياف الغذائية، مما يساعد في تحسين حركة الأمعاء وتجنب مشاكل الهضم مثل الإمساك.

4ـ المركبات النباتية النشطة:

ـ الفلافونويدات: تتميز بخصائصها المضادة للأكسدة، ما يسهم في الوقاية من الأمراض.

ـ الزيوت الطيارة: التي تضفي على النبات رائحته المميزة، وتحتوي على خصائص مضادة للالتهاب والبكتيريا.

استخدامات الألكسندرز في الطهي

ـ الأوراق والبراعم الصغيرة: يمكن إضافتها إلى السلطات، حيث تكون طازجة ومقرمشة.

ـ السيقان: يتم طهيها عادةً مثل الهليون، إذ يمكن شويها أو طبخها بالبخار، رغم مرارتها التي قد لا يحبها الجميع.

ـ البذور: تُستخدم كتوابل تضفي نكهة مميزة، خاصةً بعد أن تنضج وتجفف.

جميع أجزاء هذا النبات تعتبر صالحة للأكل، لكن يتم طهي الأوراق والسيقان الأكبر عادة؛ فقط الأوراق والبراعم الصغيرة تستحق الإضافة النيئة إلى السلطات. تظهر الأوراق الجديدة الأولى خلال الشتاء، قبل العديد من النباتات البرية الصالحة للأكل الأخرى. في الماضي البعيد، كان يُستخدم سميرنيوم أولوساتروم في العديد من العلاجات العشبية، لكن اليوم يُعتبر عموما أن هناك نباتات أخرى أفضل.

إذًا، الألكسندرز ليست فقط نبتة برية بل كنز غذائي وصحي، يقدم فوائد جمّة لمن يبحث عن بدائل طبيعية لتعزيز صحته.

تلك كانت رحلة في حياة الألكسندرز، النبات المتواضع الذي ينمو بلا كلل على ضفاف الطبيعة. إنه نبات يحمل تاريخا وحكايات تعود إلى حضارات سابقة، استخدمته كغذاء ودواء وتركته لنا كذكرى عطرة، حتى وإن لم يحب الجميع رائحته.

بعد استعراض فوائد نبتة الألكسندرز وعناصرها الغذائية المتنوعة، يتضح لنا كيف أن هذه النبتة البرية، التي ربما لا تحظى بشعبية واسعة اليوم، كانت بمثابة كنز غذائي وصحي حقيقي للحضارات القديمة. فقدرتها على دعم الجهاز الهضمي، وتقوية المناعة، وتحسين صحة الجلد تجعل منها إضافة قيّمة لمن يبحث عن خيارات طبيعية لتعزيز صحته. وبينما تواصل الألكسندرز الانتشار على السواحل والطرقات، تظل حكايتها شاهدا على عراقة العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وتذكيراً بالقوة الشفائية التي يمكن أن نجدها في النباتات البرية من حولنا.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى