رأى

الأسمدة النانوية.. ثورة خضراء تعيد رسم خريطة الزراعة في العالم ومصر

بقلم: أ.د.خالد فتحي سالم

أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات

في ظل التغيرات المناخية وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، يشهد العالم طفرة علمية جديدة تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي بأقل تكلفة وأقل ضرر للبيئة. إنها الأسمدة النانوية (Nano-fertilizers)، الجيل الجديد من المغذيات الزراعية التي تعتمد على تكنولوجيا النانو لإيصال العناصر الغذائية إلى النبات بدقة غير مسبوقة، وكفاءة تفوق الأسمدة التقليدية بمراحل.
فبينما كانت الأسمدة الكيماوية العادية تفقد أكثر من نصف عناصرها قبل أن تصل إلى جذور النبات، فإن الجزيئات النانوية – التي لا يتجاوز قطرها 100 نانومتر – قادرة على اختراق خلايا النبات بسهولة، لتمنحه غذاءً مركزًا ومضبوط الجرعة، دون هدر أو تلوث.

من الهند إلى أمريكا… والاتجاه عالمياً واضح

تشهد الهند طفرة كبيرة في هذا المجال عبر منتجها الشهير “نانو يوريا”، الذي قلّل استخدام اليوريا التقليدية بنسبة تصل إلى 50% دون التأثير على المحصول.
وفي الصين والولايات المتحدة، تُجرى أبحاث مكثفة لتطوير نانو فوسفات ونانو بوتاسيوم ونانو زنك لتحسين جودة المحاصيل وإطالة عمرها في الأسواق.
تُشير الدراسات الحديثة إلى أن الأسمدة النانوية يمكن أن ترفع كفاءة استخدام المغذيات بنسبة 30%، وتُحسّن الإنتاجية بنحو 20 إلى 25%، مع تقليل استخدام الأسمدة التقليدية بنسبة تصل إلى نصف الكمية.

العالم العربي يدخل السباق… ومصر في المقدمة البحثية

في الوطن العربي، بدأت موجة الاهتمام بالأسمدة النانوية تأخذ منحى جادًا، خصوصًا في الدول التي تعاني من ندرة المياه والتربة الفقيرة بالعناصر، مثل مصر والسعودية والمغرب.
وفي مصر تحديدًا، تنشط الجامعات ومراكز البحوث الزراعية في تجارب ميدانية واعدة، شملت محاصيل مثل الخس والفول البلدي والكانولا، حيث أثبتت النتائج إمكانية استخدام 50% فقط من الجرعة التقليدية من الأسمدة عند الاعتماد على النانو، مع تحقيق إنتاجية مماثلة أو أعلى.
يقول أحد الباحثين في مركز بحوث الصحراء:

“الأسمدة النانوية قد تكون الحل السحري للأراضي الرملية والملحية في مصر، فهي تقلل الفاقد وتزيد كفاءة النبات في امتصاص العناصر حتى في أصعب الظروف.”

مواعيد وتطبيقات مدروسة

تُستخدم الأسمدة النانوية عادة في مراحل النمو الخضري أو التزهير، سواء بإضافتها إلى التربة أو كرذاذ ورقي، لضمان امتصاص سريع وتقليل الفاقد.
ويؤكد الخبراء أن أفضل النتائج تتحقق عندما تُستخدم النانو-أسمدة جنبًا إلى جنب مع الأسمدة التقليدية، بنسبة تتراوح بين 30 إلى 50% من الجرعة الكاملة.

مميزات مغرية… لكن بحذر

من أبرز مزايا الأسمدة النانوية:

1ـ زيادة إنتاجية المحاصيل وجودتها الغذائية.

2ـ تقليل استهلاك الأسمدة الكيماوية والمياه.

3ـ الحد من التلوث البيئي والتصحر الناتج عن الإفراط في التسميد.

4ـ تحسين مقاومة النبات للإجهادات الحرارية والملحية.

لكن لابد من الحذر من الاستخدام العشوائي لهذه التقنية الحديثة، إذ لم تُعرف بعد التأثيرات طويلة المدى للجزيئات النانوية على التربة والكائنات الدقيقة والمياه الجوفية. كما أن تكلفة إنتاجها ما زالت مرتفعة نسبيًا.

الطريق إلى المستقبل

بالنسبة للزراعة في مصر، فإن التحول إلى الأسمدة النانوية لن يكون بين يوم وليلة، لكنه يمثل مسارًا استراتيجيًا نحو زراعة ذكية ومستدامة، خاصة في ظل خطط الدولة لتوسيع الرقعة الزراعية في الصحراء والمناطق الجديدة.

الموجز المختصر
“النانو ليس رفاهية علمية، بل ضرورة حتمية لمواكبة تحديات الأمن الغذائي والمناخ. المستقبل لمن يستخدم العلم بكفاءة، والنانو أحد مفاتيح هذا المستقبل.”

خلاصة القول

الأسمدة النانوية ليست مجرد صيحة علمية عابرة، بل هي ثورة زراعية صامتة قد تغيّر وجه الزراعة المصرية والعالمية خلال العقد القادم.
وما بين الأمل والقلق، يبقى السؤال الأهم:
هل ستستطيع التكنولوجيا أن تُنبت خضرةً أكثر… دون أن تُرهق الأرض؟

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى