الأرض خط أحمر.. نداء عاجل للرئيس لوقف التعدي على الأراضي الزراعية وأراضي البحوث

بقلم: أ.د.صلاح يوسف
وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الأسبق
حماية الأراضي الزراعية في مصر ليست اختيارية للحكومات، بل إجبارية، والحكومات مسؤولة عنها تجاه المصريين حاضرهم ومستقبلهم.
سيادة الرئيس، رجاءً أمر الحكومة بالمحافظة على الأرض الزراعية.
الأراضي الزراعية في مصر هي نتاج آلاف السنين من ترسيب الطمي ومعادن الطين، وقوانين الزراعة في مصر تعمل على حماية الأراضي الزراعية من التعدي عليها بالبناء. ومشكلة الدولة كلها، بما فيها وزارة الزراعة، هي كيف تحمي الأرض الزراعية بالتشريع والرقابة والمساءلة، حتى وصلت الأهمية إلى الحكم بالسجن لمن يتعدى على الأراضي الزراعية حتى لو كانت تحت ملكيته، كما تقوم الدولة باستصلاح الأراضي لزيادة الرقعة الزراعية.
ودائمًا أقول إن أسوأ التعدي على الأراضي الزراعية هو تعدي الحكومات، مرة بالأحوزة العمرانية، ومرة بمشاريع النفع العام، التي هي في أغلبها إنشاء الطرق، وقليل من المدارس أو الأنشطة التي تخدم المجال الزراعي، حتى إنني قلت في اجتماع بمجلس الوزراء لمعالي السيد وزير الإسكان إن الأحوزة العمرانية هي مدخل غير دستوري. لماذا؟ لأنني أعطيت الحق لمواطن مصري بالبناء على الأراضي الزراعية، بينما المجاور له لو بنى يتم معاقبته وتجريم فعله، بما يعني التمييز بين المصريين. ومن جانب آخر، كيف أجرم على الناس فعل البناء بينما أسمح أنا كمسؤول بالبناء فوق الأراضي الزراعية، حتى لو كان ذلك بقوانين أو تقنين مقنع أو مزركش.
وإذا كان التعدي على الأراضي الزراعية جريمة، سهى بعض المسؤولين والمشرفين عن وجوب نزع ملكيتها من مالكها وإحالة إدارتها للدولة، ولكن أيضًا نزع الملكية ليس دستوريًا. وإذا كانت الأمور هكذا، فما بالك بتعدي الحكومة على أراضي البحث العلمي المتمثلة في الأراضي التابعة لمركز البحوث الزراعية أو مركز بحوث الصحراء أو مزارع التجريب بكليات الزراعة على مستوى الجمهورية؟ أظن أن من يقوم بهذا فهو يقوم بأسوأ أنواع التعدي، حيث إن البحث العلمي أضاف على هذه الأراضي التابعة له قيمة مضافة، وهي إنتاج بحث علمي يخدم الأراضي الزراعية والمزارعين والاقتصاد القومي، ويساهم في توفير الأمن الغذائي والملبس والصناعات القائمة على الزراعة.
وأتعجب ممن يقوم باقتطاع الأراضي الزراعية عامة، والتابعة للبحوث خاصة، لبناء مساكن. هذا السلوك يعبر عن اللامسؤولية، إن لم يعبر عن ارتكاب الجريمة أو السوأة في حق الشعب المصري، وفي حق المصريين الأبناء والأحفاد، باقتطاع أجزاء من أراضيهم بالبناء عليها.
نحن نعيش على ما لا يزيد على 7% من مساحة مصر، والباقي رمال أو صحراء أو جبال. لدينا الفرصة لأن نبني على 50% من مساحة مصر كيفما نشاء، ولكن لابد من الحفاظ على بقية الأراضي للمستقبل.
وأتعجب كثيرًا من أن السادة المحافظين، منذ عقود، لا ترى أعينهم ولا تطول أيديهم إلا إلى أراضي البحوث الزراعية لبناء الإسكان. لماذا؟ بالذريعة القاصرة وهي عدم وجود ظهير صحراوي للتمدد السكاني فيه. يا سادة، هذا لا يعني أن أقضي على الأراضي الزراعية القديمة. الأراضي بمحافظة ما ليست حكرًا وملكًا لأهلها فقط، ولكنها ملك لكل المصريين. وإذا ما غاب الظهير الصحراوي، فما المانع من انتقال أجيال جديدة إلى باقي ربوع مصر لنعمر الأرض.
سيادة الرئيس، رجاءً أمر الحكومة برفع أيديها عن الأراضي الزراعية عامة، وأراضي البحوث خاصة، وإلا سيصيبنا جميعًا لعنة الحفاظ على ما تركه أجدادنا لنا. حتى لو استصلحت خمسين مليون فدان جديدة، فهذا لا يعني أن أهدم أرضًا ورثتها بالبناء عليها. بل أتمنى أن يُحاكم مسؤول على تعديه على الأراضي الزراعية بالبناء بحجة توفير مساكن لأحد.
سيادة الرئيس، رجاءً الاهتمام بالأمر، حيث إنه فاق الحد، وسنحاسب جميعًا على التقصير في حق أرض وهبها الله لنا دون مشقة منا، لنجهد أنفسنا في استصلاح أراضٍ ستعاني منها الأجيال القادمة. فأراضي الاستصلاح مرهونة بتوفر مياه متجددة وبكمية مناسبة لا تسمح بزيادة الملوحة أو تدهور جودة المياه أو تقليصها حتى تمام استنفادها، فتَبُور الأرض.
ولا ننسى جميعًا أننا موكلون من الله على حماية حقوق الناس والأرض، وأن هذا يعني أن الحكومات لا تملك الأرض لتفعل فيها ما تشاء حسب ما ترى أو حسب هواها، ولكنها موكَّلة بالحفاظ عليها.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.



