تقارير

الأراضي الصحراوية في مصر بين تحديات الملوحة وفرص الزراعة المستدامة

إعداد أ.د.خالد فتحي سالم

أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات

تُعد الأراضي الصحراوية في مصر، في سيناء والصحراء الشرقية والغربية، واحدة من أكبر الثروات الطبيعية التي لم تُستغل بالكامل بعد. هذه الرقعة الشاسعة من الأرض، التي كانت تُعتبر فيما مضى مناطق قاحلة شبه مهجورة، بدأت اليوم تتحول إلى مزارع خضراء، بفضل التقنيات الحديثة والاستثمار في استصلاح الأراضي، لتصبح محركًا مهمًا لتحقيق الأمن الغذائي وتنمية الاقتصاد الوطني.

ومع توسع المشاريع الزراعية في المناطق الصحراوية، ظهرت ضرورة وضع استراتيجيات دقيقة لاختيار المحاصيل المناسبة، خصوصًا في ظل تفاوت درجات ملوحة التربة والمياه الجوفية، والتي تُعد العامل الأساسي في نجاح الزراعة الصحراوية.

الملوحة: التحدي الأكبر في الزراعة الصحراوية

الملوحة، هي تراكم الأملاح في التربة والمياه، مما يؤثر بشكل مباشر على نمو النبات وخصوبة الأرض. وتختلف درجة الملوحة من منطقة لأخرى؛ فبينما تتميز بعض الأراضي في الصحراء الشرقية بانخفاض ملوحتها، فإن أجزاء واسعة من الصحراء الغربية وسيناء تحمل تربة ومياه مالحة نسبيًا، تتطلب اختيار محاصيل تتحمل هذه الظروف.

لذلك، أصبحت الزراعة في الأراضي الصحراوية ليست مجرد زرع وبذور، بل علم قائم على تحليل التربة والمياه واختيار المحصول الأنسب لكل منطقة.

تصنيف المحاصيل حسب تحملها للملوحة

يمكن تقسيم المحاصيل إلى ثلاث مجموعات رئيسية وفق قدرتها على تحمل الملوحة، ما يسهل على المزارع وضع خطة زراعية متكاملة وفعّالة:

1. المحاصيل شديدة التحمل للملوحة (High Salt Tolerance)

هذه المحاصيل يمكنها النمو في ظروف عالية الملوحة، حيث تتراوح ملوحة التربة بين 4 و10 ديسيموز/متر (dS/m)، وهي مناسبة لمياه الآبار المالحة والأراضي التي يصعب تحييد ملوحتها.

  • البرسيم الحجازي: يستخدم بشكل أساسي كعلف للماشية، ويتحمل درجات ملوحة مرتفعة، مما يجعله الخيار الأمثل للمزارع الصحراوية الكبيرة.

  • الشعير: مقاوم للملوحة والجفاف، ويزرع لأغراض الأعلاف والحبوب.

  • الأعشاب المالحة: مثل السولسولا والسبانخ الصحراوية، والتي يمكن أن تُستخدم للأعلاف أو التصدير.

2. المحاصيل متوسطة التحمل للملوحة (Moderate Salt Tolerance)

هذه المحاصيل تحتاج إلى تربة ومياه ذات ملوحة معتدلة، وتتراوح ملوحة التربة المثلى لها بين 2 و4 ديسيموز/متر. يمكن زراعتها في المناطق التي تم تطويرها باستخدام استراتيجيات الاستصلاح وتحلية المياه جزئيًا.

  • الذرة الشامية: تتحمل الجفاف وملوحة التربة المعتدلة، وتُعد من المحاصيل الاقتصادية الهامة للأعلاف والصناعة.

  • الطماطم والفلفل: يمكن زراعتهما في الصحراء باستخدام الري بالتنقيط ومواد عضوية لتحسين التربة.

  • القمح: مناسب للمناطق ذات الملوحة المتوسطة، ويحتاج إلى مراقبة مستمرة للري والسماد.

3. المحاصيل قليلة التحمل للملوحة (Low Salt Tolerance)

هذه المحاصيل حساسة للملوحة، وتحتاج إلى مياه عذبة نسبيًا وتربة منخفضة الملوحة. تعتبر مناسبة للمناطق التي تم استصلاحها حديثًا، أو التي تستخدم تقنيات متقدمة في تنقية المياه والتحكم بالري.

  • الخضروات الورقية: مثل الجرجير والخس والسبانخ العادية، والتي تحتاج إلى مراقبة مستمرة للملوحة.

  • الفواكه الطازجة: مثل الفراولة والطماطم الكرزية، والتي تحقق عوائد عالية عند توفير مياه مناسبة.

  • نباتات الزينة والنباتات الطبية الحساسة: مثل اللافندر والنعناع، وتزرع غالبًا في مناطق محمية أو باستخدام نظم ري متقدمة.

طرق استصلاح الأراضي الصحراوية لمواجهة الملوحة

لمواجهة مشكلة الملوحة، تتبع المشروعات الزراعية في مصر عدة أساليب متقدمة، أهمها:

  • إضافة المواد العضوية وتحسين التربة:
    تعمل المواد العضوية على زيادة خصوبة التربة وتحسين قدرتها على الاحتفاظ بالماء، مما يقلل تأثير الملوحة على النبات.

  • استخدام تقنيات الري الحديثة:
    مثل الري بالتنقيط والرش المحكوم، حيث يتم توصيل المياه مباشرة إلى جذور النبات لتقليل فقد المياه وتقليل تراكم الأملاح على سطح التربة.

  • زراعة المحاصيل المناسبة لكل درجة ملوحة:
    اختيار المحاصيل المقاومة أو المتوسطة التحمل بناءً على دراسة ملوحة التربة والمياه الجوفية يساعد على زيادة الإنتاجية وتقليل الخسائر.

  • إجراء تحاليل دورية للتربة والمياه:
    تمكن المزارع من ضبط مستوى السماد والري بدقة، وضمان أن ظروف التربة والمياه ملائمة لنمو النبات.

الفرص الاقتصادية للأراضي الصحراوية

إلى جانب كونها تحديًا بيئيًا، تشكل الأراضي الصحراوية فرصة اقتصادية كبيرة. فزراعة المحاصيل المقاومة للملوحة يمكن أن توفر أعلافًا للماشية، بينما المحاصيل عالية القيمة مثل النباتات الطبية والعطرية والخضروات الموسمية تحقق عائدًا ماليًا مرتفعًا، وتفتح أبواب التصدير إلى الأسواق العربية والأوروبية.

كما يمكن أن تلعب هذه الأراضي دورًا في الأمن الغذائي الوطني، من خلال إنتاج محاصيل أساسية مثل القمح والذرة والخضروات الطازجة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بالإضافة إلى خلق فرص عمل جديدة في المناطق الصحراوية النائية.

آفاق المستقبل: تحويل الصحراء إلى خضراء

مع التوسع في مشروعات الاستصلاح واعتماد تقنيات الزراعة الحديثة، أصبح بالإمكان تحويل الأراضي الصحراوية المصرية إلى مناطق خضراء مزدهرة، قادرة على تحقيق التنمية المستدامة. ويعد التركيز على المحاصيل المقاومة للملوحة، إلى جانب التخطيط المدروس للري والتسميد، خطوة أساسية لتحويل التحديات إلى فرص حقيقية.

إن الاستثمار في هذه الأراضي لا يعني فقط تحقيق أرباح مالية، بل يشمل أيضًا تحقيق الأمن الغذائي، حماية البيئة، وتنمية المجتمعات الصحراوية، مما يجعل من الزراعة الصحراوية مشروعًا وطنيًا استراتيجيًا يحمل مستقبل مصر الزراعي في طياته.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى