استخدامات المياه العادمة في التنمية الشاملة
بقلم: أ.د/علاء البابلي
حالة الموارد المائية في العالم التي ترتبط مباشرة بـالمياه العادمة: توافر المياه ونوعية المياه المحيطة. وبينما تُعد المياه العادمة المعالجة بشكل مناسب مورداً يمكن استخدامه لمعالجة النقص في إمدادات المياه، فإن مستوى معالجة المياه العادمة يؤثر بشكل مباشر على نوعية المياه المحيطة، مع ما يترتب على ذلك من آثار على توافر المياه. كما ان الدوافع الخارجية التي ترسم الاتجاهات المستقبلية فيما يخص توافر المياه ونوعيتها، مع التركيز بشكل خاص على التفاعلات الديمغرافية وتغير المناخ.
يتم عرض القضايا والتحديات الرئيسية المتعلقة بإدارة المياه العادمة في السياق الأوسع لإدارة الموارد المائية، حيث تكمن أهمية المياه العادمة في كونها مورداً مهملاً ولكنه قيّم، خاصة في ظل ظروف ندرة المياه.
تشكل المياه العادمة عنصراً مهماً في دورة المياه، وهي تحتاج إلى أن تُدار خلال جميع مراحل دورة المياه:
بدءاً من استخراج المياه العذبة، ومروراً بمراحل المعالجة والتوزيع والاستخدام والتجميع ومرحلة ما بعد المعالجة لإعادة استخدامها، ثم عودتها للبيئة في النهاية، حيث تشكل مصدراً جديداً لاستخراج المياه مرة أخرى غير أن الاهتمام بإدارة المياه بعد استخدامها كثيراً ما كان أمراً مهملاً في دورة إدارة المياه. ولا تلقى إدارة المياه العادمة عموماً اهتماماً اجتماعياً وسياسياً يُذكر بالمقارنة مع تحديات إمدادات المياه، ولا سيما في ظل ندرة المياه.
ومع ذلك، فإن كلا الأمرين يرتبطان ارتباطاً جوهرياً ببعضهما – إذ إن إهمال المياه العادمة يمكن أن تكون له آثار ضارة للغاية على استدامة إمدادات المياه وصحة الإنسان والاقتصاد والبيئة.
ولا تزال المياه العادمة مورداً لا يُقدر حق قدره وكثيراً ما يُنظر إليها على أنها عبء يتعين التخلص منه أو مصدر إزعاج ينبغي تجاهله. ويحتاج هذا التصور لأن يتغير كي يعكس قيمة المياه العادمة بشكل صحيح فـالمياه العادمة تُشكل مصدراً مُحتملاً ميسور التكلفة ومستداماً للمياه والطاقة والعناصر المغذية والمواد العضوية وغيرها من المنتجات الثانوية المفيدة.
إن تحسين إدارة المياه العادمة، بما في ذلك استرداد المياه وإعادة استخدامها بشكل آمن وغيرها من المكونات الرئيسية، يوفر قدراً كبيراً من الفرص، وهذا أمر حقيقي خصوصاً في سياق اقتصاد دائري، حيث تتوازن التنمية الاقتصادية مع حماية الموارد والاستدامة البيئية، وحيث يكون للاقتصاد الأنظف والأكثر استدامة تأثير إيجابي على نوعية المياه.
فرص اغتنام المياه العادمة كمورد غير تقليدى
إن الهدف في الواقع هو تجاوز مجرد الحد من التلوث والسعي للحصول على قيمة من المياه العادمة، إذا لم يكن هناك سبب آخر، كوسيلة إضافية لدفع تكاليف إدارة المياه العادمة وتعزيز الاستدامة الاقتصادية للنظام.
وتُشكل إدارة المياه العادمة بالفعل جزءاً هاماً من عدة دورات موارد مختلفة، وهي في وضع جيد يُمَكّنُها من القيام بدور مركزي في الاقتصاد الدائري. ومن شأن استخدام المياه المعالجة بشكل مناسب في أغراض الزراعة وتوليد الطاقة أن يُعزز فرص الأمن الغذائي وأمن الطاقة، كما يمكن أن يساعد في تخفيف الضغوط الناجمة عن زيادة الطلب على المياه. وستكون لذلك انعكاسات إيجابية على إمدادات المياه العذبة والصحة البشرية والبيئية وتوفير الدخل وتحسين سبل العيش، والتخفيف من وطأة الفقر. علاوة على أن إعادة استخدام المياه سيخلق فرص تجارية جديدة تساهم فى دعم النهوض بـالاقتصاد الأخضر.
وتوفر النظم الإيكولوجية المائية مثل الأحواض والأراضي الرطبة والبحيرات حلولاً إضافية منخفضة التكلفة لتعزيز إدارة المياه العادمة، شريطة أن تتم إدارتها على نحو مستدام. وعلى الرغم من أن الاستخدام المخطط للمياه العادمة وأسواقها النشطة لأغراض خدمات النظم الإيكولوجية يُعد ظاهرة حديثة نسبياً، فإن تقييم استخدام المياه العادمة لخدمات النظم الإيكولوجية يكشف عن فوائد بيئية واقتصادية مواتية.
إن الاستخدام غير الرسمي للمياه العادمة غير المعالجة يحدث بالفعل على نطاق واسع، وذلك من باب الملاءمة البسيطة أو محض الحاجة، وكثيراً ما يحدث ذلك في ظل غياب التدابير المناسبة لمراقبة السلام.
في حين أن التدابير التي تعزز الاستخدام المباشر لأنواع معينة من المياه العادمة غير المعالجة قد تكون سهلة نسبيّاً، فإن تكلفة تطوير نظم معالجة استرداد المياه العادمة من بعض الأنشطة البشرية قد تكون باهظة في بعض الحالات. كما قد يكون هناك عدم تطابق بين موقع وتوقيت مصدر المياه العادمة واستخدامها في نهاية المطاف. ولذلك، فإن نظم إدارة المياه العادمة تحتاج إلى أن تُصمَم وفقاً لخصائصها مثل المنشأ والمكونات ومستوى الملوثات والاستخدام النهائي المقصود لتدفقات النفايات السائلة، بما في ذلك أي منتجات ثانوية نافعة، حيث إن ذلك سيحدد المصدر الأنسب والأكثر عملية للمياه العادمة.
هناك عدد من الضغوط على الموارد المائية تدفع الحاجة إلى تعزيز استخدام المياه العادمة. ويؤثر النمو السكاني والتحضر وتغير أنماط الاستهلاك وتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والنمو الاقتصادي والتصنيع على موارد المياه وتدفقات المياه العادمة، مع ما يترتب على ذلك من تلوث في الغلاف الجوي والأراضي والمياه.
ومن شأن اعتماد أسلوب مُحسّن لإدارة المياه العادمة المساعدة في التخفيف من آثار بعض هذه الضغوط .
هنك أطر للحوكمة التي تدار من خلالها المياه العادمة، بما في ذلك العديد من الجهات الفاعلة وأدوارها المختلفة، والأدوات القانونية والتنظيمية، والتحديات المالية وفرص التمويل والجوانب الاجتماعية والثقافية.
الاتجاهات العالمية لاستخدام المياه العادمة
في المتوسط، تلتزم البلدان ذات الدخل المرتفع بمعالجة قرابة 70% من المياه العادمة البلدية والصناعية. وتنخفض هذه النسبة إلى 38% في البلدان التي تنتمي إلى الشريحة العليا من البلدان ذات الدخل المتوسط، وتتراجع إلى 28% في بلدان الشريحة الدنيا من البلدان ذات الدخل المتوسط. وفي البلدان ذات الدخل المنخفض، تبلغ نسبة المياه العادمة التي تخضع لمعالجات من أي نمط 8% فحسب. وتؤيد هذه التقديرات الحسابات التقريبية التي يتم الاستشهاد بها في كثير من الأحيان، والتي تُشير إلى تصريف نسبة تتجاوز 80% من إجمالي المياه العادمة بدون معالجة.
وفي البلدان ذات الدخل المرتفع، يكون الدافع وراء إخضاع المياه العادمة لمعالجة متقدمة هو إمّا الحفاظ على نوعية البيئة وإمّا توفير مصدر بديل للموارد المائية في إطار التصدي لمشكلة ندرة المياه.
وعلى الرغم من ذلك، تشيع ممارسات تصريف المياه العادمة غير المعالجة، ولا سيما في البلدان النامية، من جراء الافتقار إلى البنية التحتية والقدرات التقنية والمؤسسية والتمويل.
*كاتب المقال: خبير المياه الدولى واستاذ الاراضى والمياه بمعهد بحوث الاراضى والمياه.
احسنت استاذى الغالى طبتم وطاب ممشاكم ودائما الى الامام المقال جميل وقيم من خبير ومحترم سدد الله خطاكم ومن نجاح الى نجاح ان شاء الله