رأى

اختيار المحصول الزراعي: بين إغراء السعر وخطر التكدس

بقلم: أ.د.خالد سالم

أستاذ بقسم البيوتكنولوجيا النباتية بمعهد الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية جامعة مدينة السادات

في كل موسم زراعي، يتكرر نفس المشهد: يندفع آلاف المزارعين نحو زراعة محصول معين، فقط لأن سعره في الموسم السابق كان مرتفعًا ومربحًا. هذا القرار، وإن بدا منطقيًا من الناحية الاقتصادية، كثيرًا ما يتحول إلى فخ تجاري يؤدي إلى نتائج معاكسة تمامًا للتوقعات، أهمها: هبوط الأسعار الحاد بسبب فائض الإنتاج.
فما السبب وراء ذلك؟ ولماذا يجب على المزارعين والجهات المعنية أن يتحلوا بالحذر والتخطيط الجيد قبل اختيار المحاصيل الزراعية؟

سعر العام الماضي ليس ضمانًا للربح هذا العام

السوق الزراعي بطبيعته سوق عرض وطلب. فعندما يرتفع سعر محصول معين في موسم ما، بسبب قلة المعروض أو ارتفاع الطلب، يراه كثير من المزارعين فرصة ذهبية لتحقيق ربح أكبر في الموسم القادم، فيندفع عدد كبير منهم إلى زراعة هذا المحصول، وغالبًا دون تنسيق أو تخطيط على المستوى الجماعي أو الوطني.
وفي الموسم التالي، تكون النتيجة كالتالي:

  • زيادة كبيرة في المعروض من هذا المحصول.

  • انخفاض في الأسعار بسبب وفرة الإنتاج.

  • خسائر للمزارعين نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج مقابل تدني السعر.

وهكذا، يتحول ما كان يُنظر إليه كموسم رابح إلى موسم خاسر، ليس بسبب ضعف الإنتاج، بل بسبب سوء تقدير السوق.

أمثلة متكررة في أسواقنا الزراعية

في السنوات الأخيرة، شهدت الأسواق العربية والأفريقية حالات عديدة مشابهة:

  • بعد ارتفاع أسعار الطماطم في موسم معين، اندفع كثير من المزارعين إلى زراعتها في الموسم التالي، فانهار السعر إلى مستويات غير مجدية اقتصاديًا.

  • وفي بعض الدول، تكررت الظاهرة نفسها مع البصل، البطاطس، والفراولة.

والخسارة هنا لا تقتصر على المنتج فقط، بل تمتد إلى:

  • الأسواق المحلية التي تعاني من التخمة.

  • فقدان المحاصيل بسبب تلفها لعدم القدرة على التخزين أو التسويق.

  • اضطراب سلاسل الإمداد.

ما الحل؟ التخطيط بناءً على بيانات دقيقة

القرار الصحيح في اختيار المحصول الزراعي لا يجب أن يُبنى على سعر الموسم الماضي فقط، بل على عدة عوامل رئيسية، منها:

  • دراسة حجم الطلب المتوقع محليًا وخارجيًا.

  • تحليل اتجاهات السوق وليس مجرد متابعة الأسعار.

  • الاطلاع على نوايا الزراعة للموسم الجديد عبر التقارير الرسمية أو جمعيات المزارعين.

  • تنويع المحاصيل لتقليل المخاطر بدلًا من التركيز على محصول واحد.

  • الاهتمام بعقود التسويق المسبق مع التجار أو المصدرين.

كما أن الجهات الحكومية والإرشادية يجب أن تلعب دورًا أكبر في:

  • نشر تقارير دورية عن اتجاهات السوق.

  • تحذير المزارعين من زراعة محاصيل تشهد إقبالًا مفرطًا.

  • دعم الزراعة التعاقدية لتحديد الإنتاج مسبقًا بناءً على طلب حقيقي.

نحو زراعة ذكية تجاريًا

الزراعة الحديثة لا تقتصر فقط على معرفة التربة والري والبذور، بل تشمل أيضًا فهم الأسواق وسلوك المستهلك والمنافسة. فالمزارع اليوم بحاجة إلى أن يكون منتجًا وتاجرًا ومحللًا اقتصاديًا في آنٍ واحد.
وإذا لم تتغير طريقة التفكير، سنظل ندور في نفس الحلقة: موسم مربح يتبعه موسم خسارة، وفجوة كبيرة بين ما يُزرع وما يُطلب.

الموجز المختصر

ارتفاع سعر محصول في موسم معين لا يعني أنه سيظل مربحًا في الموسم التالي، بل قد يكون مؤشرًا على خطر التكدس في المستقبل.
الاختيار الذكي للمحصول يجب أن يعتمد على التخطيط، والمعلومة، والتنوع، وليس فقط على الأمل والاندفاع.
فالزراعة الرابحة ليست فقط في الأرض، بل في العقل الذي يزرع بحكمة.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى