تحقيقات

«إعدام أسماك بحيرة ناصر» مع سبق الإصرار والترصد

كوارث الصيد الجائر تهدد التوازن البيئي فى بحيرة ناصر
كوارث الصيد الجائر تهدد التوازن البيئي فى بحيرة ناصر

أسماك بحيرة ناصر تواجه القتل بالصعق الكهربي والبودرة وأنابيب الغاز في غياب الأمن

كوارث الصيد الجائر تُهدد التوازن البيئي فى بحيرة ناصر

جمعية أبناء أسوان: 70 مليون سمكة زريعة ستذهب هدرا في غياب السيطرة الأمنية

 تحقيق: هيثم خيري

تقف بحيرة ناصر على أعتاب اختبار جديد مع الأمن والزريعة والهيئة العامة للثروة السمكية وحرس الحدود وشرطة المسطحات المائية!

في هذا الاختبار، إما أن تنتشل بحيرة ناصر بأسماكها مصر من الفجوة الغذائية الطاحنة، وخاصة في اللحوم، بتغطية احتياجات المصريين بنسبة تفوق الـ30% من الأسماك، أو تفشل فتهوى بالإنتاج السمكي إلى مراحل كارثية تهدد التوازن البيئي في بحيرة ناصر، وتجعل مناطق منها بالكامل خاوية من الأسماك لسنوات بعيدة قادمة.

بينما تخطط هيئة الثروة السمكية لإلقاء 70 مليون زريعة حتى عام 2021، لمساعدة الأسماك على التكاثر والنضج وإنعاش بحيرة ناصر بالأحياء المائية، يقف مئات من ناهبي الثروة السمكية على شواطئها وفي أرجائها بالمرصاد، لتجريف الزريعة وصيد الأسماك بطرق غير مشروعة، تبدأ بخنق الأسماك بغاز الأنابيب والصعق الكهربي وتنتهي بإلقاء بودرة شديدة السمية تقضي على الإنتاج السمكي، بلا رقابة كافية من الأمن.

قبل موعد غلق بحيرة ناصر ومنع الصيد فيها بأشهر، يرصد “الفلاح اليوم” هذا التحقيق الصحفي، للوقوف على مناطق الضعف والخلل في بحيرة ناصر، والأسباب التي تمنع تنميتها، والحلول المتاحة أمام كافة أطراف الدولة لمنع تجريف الثروة السمكية بها.

أسباب نهب الزريعة من بحيرة ناصر

في جنوب أسوان تستقر أكبر بحيرة صناعية في العالم تاركة المجال واسعا لشواطئها لتتحدد بلا حواف واضحة.. متارمية الأطراف، حيث تبلغ مساحتها 500 كم معظمها داخل الأراضي المصرية، و17 % منها في السودان، وتحوي 160 مليار متر مكعب مياها عذبة، ولهذا السبب تحديدا تواجه مشكلات ضخمة في إحكام السيطرة الأمنية عليها ومنع الصيادين المخالفين من العمل ليل نهار في أرجائها.

ينقسم العمل في أرجاء بحيرة ناصر على 4 جمعيات للصيد، تستحوذ الجمعية الأم على 63% من بحيرة ناصر، وتضم أبناء محافظات سوهاج وقنا وأسيوط من الصيادين، وباقي النسبة موزعة على 3 جمعيات هي الجمعية النوبية لصيد الأسماك وجمعية أبناء أسوان والتكامل، وجميع هذه الجمعيات تضم أبناء محافظة أسوان من أهل النوبة وأسوان.

ويبدأ غلق بحيرة ناصر ومنع الصيد فيها من منتصف مارس من كل عام وحتى منتصف مايو، في هذه الفترة يتم إلقاء الزريعة تمهيدا لتربيتها في البحيرة بشكل حر، بعيدا عن حبسها في الأقفاص السمكية، ويشكو جميع من التقتهم “الفلاح اليوم” من الصيادين والجمعيات والاتحاد التعاوني للثروة المائية من نهب الزريعة واستخدام طرق غير مشروعة في الصيد الجائر بالبحيرة، رغم منع الصيد في ذلك التوقيت من كل عام، وعدم إحكام السيطرة على الطرق البرية الجبلية والصحراوية التي يقطعها المهربون ذهابا وإيابا في أوقات الغلق.

ولأجل هذا يقول الحاج شوقي محمود، عضو مجلس إدارة الاتحاد التعاوني للثروة المائية: “يجب أن يتم إلقاء الـ70 مليون سمكة زريعة وتبقى قفلة صح”، في إشارة إلى غلق بحيرة ناصر، مضيفا: “يجب غلق مصانع الثلج التي تغذي الصيادين والمراكب بالثلج اللازم لتجميد السمك، لأن روح السمك والصياد في هذا الثلج“.

يبدو إحكام السيطرة ضروريا في ظل الخطة الطموحة التي تنفذها هيئة تنمية الثروة السمكية على مراحل، حيث تعتزم إلقاء 350 مليون زريعة حتى عام 2021، بواقع 70 مليون سمكة زريعة سنويا، بهدف تحسين الحياة في بحيرة ناصر وزيادة العائد السمكي من أسماك البلطي والساموس.

الحاج دهب علي جلال، رئيس جمعية أبناء أسوان للصيد، يرى أن بحيرة ناصر تستوعب أضعاف الزريعة التي يتم إلقاؤها سنويا، وأنها تعمل الآن بأقل من نصف طاقتها، وحتى المفرخات السمكية الموجودة على امتداد بحيرة ناصر والتابعة لهيئة الثروة السمكية تكاد تكون غير كافية، مضيفا أن الصيادين وجمعيات الصيد لأول مرة منذ سنوات تشعر بتحسن ملحوظ في الإنتاج بعد أن آلت تبعية بحيرة ناصر مجددا إلى هيئة الثروة السمكية بدلا من هيئة تنمية بحيرة ناصر، حيث تم إلقاء كميات لا بأس بها من الزريعة لكن ليس بالشكل المطلوب، حيث تم إلقاء كميات ضئيلة جدا من الزريعة في زمام بحيرة ناصر التابع لجمعية التكامل.

جهد الصيد فى بحيرة ناصر

ووفقا للحاج دهب على جلال، فالتنمية الحقيقية للبحيرة هي إحكام القبضة عليها ومنع الصيد الجائر وجهد الصيد، حيث تعمل الكثير من المناطق في بحيرة ناصر بأكثر من طاقتها، والمنطقة التي يتحدد لها 10 مراكب للصيد بها تجد 14 مركبا تعمل بها، لذا فالمصايد تتضاءل نتيجة زيادة عدد العاملين في بحيرة ناصر، وجهد الصيد هذا يعتبر نوعا من أنواع الصيد الجائر، وللأسف معظم هؤلاء الصيادين دخلاء على أسوان من محافظات الدلتا والفيوم.

ويوضح محمد السيد عبد الله، صاحب مراكب صيد فى بحيرة ناصر، طرق الصيد الجائر فى بحيرة ناصر قائلا أنها تبدأ باستخدام غزول ضيقة غير قانونية، تصيد الأسماك الكبيرة والصغيرة على السواء، و”الجوابي السلكية” وهي وسيلة أخرى تجمع كل الأسماك بلا فرز لها.

كما يؤكد فارس سعد الدين، صياد فى بحيرة ناصر من منطقة كلابشة، أن هناك صيادين من خارج بحيرة ناصر ومحافظة أسوان يستعملون طرقا لم تعرفها بحيرة ناصر ولا صياديها من قبل وهي استخدام البودرة القاتلة للأسماك والصعق الكهربي، وهؤلاء لا ينتمون لجمعيات الصيد ولا علاقة لهم بالبحيرة، لأن جميع من يعمل من أبناء أسوان في بحيرة ناصر يعتبرها مصدر رزقه الوحيد وبالطبع لن يهلك مصدر رزقه بهذه السهولة، خاصة أنه من المعروف أن المنطقة التي يتم فيها إلقاء البودرة أو الصعق الكهربي تتلف ولا تصلح للصيد لمدة 4 سنوات على أقل تقدير.

يشرح الحاج حسن حسين، رئيس مجلس إدارة الجمعية النوبية، وسائل الصيد الجائر قائلا أن هؤلاء الصيادين الخارجين على القانون يلجأون لاستخدام أنابيب البوتجاز في صيد الأسماك، حيث يعلقون خراطيم في فوهات الأنابيب ويلقون بالخراطيم في أعماق البحيرة ثم يفتحون الغاز على الأسماك، وفي هذه الحالة تجد بحيرة ناصر مفروشة بالأسماك الكبيرة والصغيرة على السواء.. مختنقة ومقتولة وطافية على السطح، ويزيح الصيادون الإنتاج السمكي بالأكوام، فضلا عن الصعق الكهربي للأسماك عن طريق استخدام أعمدة الإنارة في الجزر والطرق الرئيسية في هذا الغرض، حيث يقوم الصيادون بتوصيل أسلاك من المولدات الكهربية إلى المياه، ولهذا طالبت جمعيات الصيد باستبدال الأعمدة الكهربية بأخرى تعمل بالطاقة الشمسية، لمنع استخدام المولدات الكهربية في هذا الغرض.

وكان اللواء مصطفى يسري، محافظ أسوان السابق، قد نجح في إنارة أجزاء من البحيرة ومحيطها باستخدام الطاقة الشمسية بدلا من المولدات الكهربية، ويطالب الصيادون باستكمال ما بدأه المحافظ السابق ودعم هذا الاتجاه توفيرا للطاقة ولمنع الصيد بالصعق الكهربي.

وبحسب الحاج حسن حسين، فالمناطق التي يتم استخدام الصعق الكهربي بها لا تعيش فيها الأسماك لخمس سنوات كاملة على أقل تقدير، ولهذا فلا يوجد صياد صاحب مصلحة في استخدام هذه الوسائل إلا الصيادين الذين يأتون في مواسم لعدة أسابيع للصيد والعودة إلى المحافظات التي جاؤوا منها.

كما يحذر حسن حسين من البوردة التي يتم رشها في المياه والتي تستخدم في الفيوم والمنزلة ووصلت مؤخرا إلى بحيرة ناصر وتكاد تلوث مياه بحيرة ناصر التي كانت أنقى بحيرة صناعية على مستوى العالم، نتيجة للغياب الأمني.

ويؤكد حسن حسين أن الجمعيات طالبت في اجتماعات سابقة مع ممثلي الجهات الحكومة والأمنية بدعم بحيرة ناصر بمبلغ 60 جنيه عن كل طن سمك يخرج من بحيرة ناصر بما يوازي نحو مليار ونصف المليار جنيه سنويا، توجه جميعها لدعم جهود التنمية والأمن فى بحيرة ناصر.

ويرى صابر محمد مصطفى، عضو الجمعية العمومية للجمعية النوبية لصيد الأسماك، أن مشكلة الصيادين “الطيارين” ـ بحسب وصفه ـ أنهم غير شرعيين يسعون لجمع أكبر مكسب ممكن في أقل وقت، وهؤلاء جميعهم وافدين من خارج المحافظة ويعملون في بحيرة ناصر كعمال ومصنعي ملوحة، وينتظرون بفارغ الصبر أيام غلق بحيرة ناصر من أجل الصيد الجائر.

ويعود الحاج دهب علي جلال ليطالب قوات حرس الحدود بالحفاظ على بحيرة ناصر من المنبع أي من المناطق الجبلية التي يتوجه إليها الصيادون بعد الانتهاء من الصيد في المدقات والطرق الجبلية، فشرطة المسطحات المائية هي المسئولة عن أمن بحيرة ناصر داخليا أما حرس الحدود فمسئوليتها عن بحيرة ناصر في الخارج.

مصانع الثلج بجوار بحيرة ناصر

لأن “روح السمك في الثلج” كما يقول الصيادون وأهل بحيرة ناصر، فقد أنشأت الدولة 4 مصانع حكومية لإنتاج الثلج على ضفاف بحيرة ناصر، اثنان منهما في ميناء أسوان ومصنع ثالث يتبع لشركة مصر أسوان التابعة لهيئة تنمية بحيرة ناصر، والرابعة تتبع هيئة تنمية الثروة السمكية.. المصانع الأربعة تم تأجيرها بالكامل لمستثمر واحد احتكر السلعة وفقا لكلام رؤساء جمعيات الصيد والعاملين في البحيرة، حيث كان قالب الثلج الواحد يباع بسعر 55 قرشا منذ سنوات قليلة والآن أصبح يباع بسعر 5 جنيهات.

يقول الحاج عصام محمد حسن، أمين صندوق الجمعية النوبية لصائدي الأسماك، إن المصانع الأربعة تم تأجيرها بمبلغ زهيد هو 89 ألف جنيه سنويا للمصنع الواحد، حيث يحصل المستثمر على المياه مجانا ويحولها إلى ثلج في المصانع الحكومية، ويبيعها للصيادين والجمعيات بسعر مبالغ فيه، بعدما كانوا يحصلون على الثلج كسلعة تموينية بأسعار زهيدة.

ويطالب عصام محمد حسن بأن تستلم جمعيات الصيد الأربعة العاملة في بحيرة ناصر المصانع وتستأجرها بنفسها بنفس القيمة الإيجارية أو حتى بأعلى منها، خاصة وأن الجمعيات تضم موظفين وكوادر مؤهلة لإدارة المصانع، بينما لا تخضع قوالب الثلج حاليا لأي معايير معقولة، حيث يشترونها وهي مثقوبة لا تصلح لتجميد الأسماك لفترة طويلة كما كان في السابق.

كما طالب بأن تستعيد الجهات الرقابية دورها في الكشف على الإنتاج السمكي، وتواجد المشرفين البيطريين لفرز الأسماك وتحديد الكميات الصالحة من التالفة، حيث تركت الأمور الآن لاجتهادات الصيادين بدلا من الأطباء البيطريين المؤهلين لهذا الأمر.

أنواع الأسماك فى بحيرة ناصر

تشمل أنواع الأسماك المتواجدة بالبحيرة البلطي بكافة أنواعه، ويمثل أكثر من 80% من إنتاج بحيرة ناصر، وتصل أحجامه إلى 8 كجم للسمكة الواحدة، ثم المبروك الفضي والذلي والجليلي وهما نوعان مستحدثان على بحيرة ناصر، وتختلف أحجامهما عن البلطي النيلي حيث إنهما أقل بكثير لا تزيد عن 350 جم للسمكة، فضلا عن أسماكالقرقور” والساموس وهو من أنواع أسماك البياض كبيرة الحجم، وقد تصل السمكة الواحدة إلى 30 كجم، فضلا عن التماسيح النيلية التي تلتهم نسبة ليست قليلة من الإنتاج السمكي، ويطالب الصيادون بإلقاء أنواع أخرى من الزريعة لزيادة التنوع في إنتاج بحيرة ناصر، وبخاصة أسماك الثعابين النيلية التي زاد الإقبال عليها من قبل المستهلكين في السنوات القليلة الماضية، والسماح باصطياد التماسيح التي صارت تستهلك كميات كبيرة من أسماك بحيرة ناصر بعد تكاثرها.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى