رأى

أين ستذهب حصة مصر بعد استكمال سد النهضة؟

د.محمد حافظ

د.محمد حافظ

خبير هندسة السدود

في نهاية العام الماضي وقف وزير الكهرباء الإثيوبي أمام البرلمان يشرح للمتسألين من أعضاء البرلمان أسباب تأخر استكمال سد النهضة والتي كان من المتوقع تشغيله مع بداية عام 2017. حيث وضع كل اللوم على شركة التصنيع العسكري الإثيوبية لعدم قدرتها على تركيب التروبينات طيلة السنوات الثلاثة الماضية، إلا أن أعضاء البرلمان اتهموه بعدم الشفافية ورفضوا تلك الحجة (المعلبة) وشككوا في متانة بنيان سد النهضة، خاصة طبقة الأساسات ما أغضب وزير الكهرباء لدرجة التشابك لفظيا مع عدد من أعضاء البرلمان. إلا أن تزايد الضغط عليه من قبل البرلمانيون جعله يعترف بأهم (سر) تخشي الحكومة الإثيوبية إبلاغه للشعب الإثيوبي وأيضا لدول الجوار المتأذية من بناء سد النهضة مثل دولتي مصر والسودان.

أعلن وزير الكهرباء الإثيوبي، بأن السبب الحقيقي لتأخر بناء سد النهضة هو وجود أودية عميقة تم اكتشافها أثناء تحويل مجري النيل الأزرق في نهاية عام 2015 والتي تسببت في تعطيل البناء لقرابة 3 سنوات. إلا أنه أضاف بان إدارة سد النهضة قد ضخت كميات ضخمة من الخرسانات لإغلاق تلك الوديان العميقة.

منذ أيام مضت وصلتني صورة لأحد تلك الوديان العميقة التي تحدث عنها وزير الكهرباء الإثيوبي والتي هي عبارة عن تشقاقات أرضية كانت مغطأة بغطاء أخضر من الأعشاب أو بطبقة من التربة الطينية الغير مغمورة والتي تم إذابتها بعد تعرضها لعملية غمر المياه أثناء التخزين التجريبي ببحيرة سد النهضة والذي حدث خلال فيضان عام 15 و16 و17 و18.

ذوبان الغطاء الطيني الذي كان يخفي تلك الفجوات العميقة والموجودة سواء بقاع بحيرة التخزين وتم الكشف عنها مؤخرا أو في مناسيب أعلى بالجبال والهضاب المحيطة ببحيرة التخزين والتي لم يكشف عنها حتى اليوم سوف يزيد كثيرا من حجم التسريبات الأرضية، والتي لا يعرف حتى اليوم حجمها بسبب عدم دراسة تلك الوديان العميقة لكونها أحد الأسرار الجيولوجية التي ترفض الحكومة الإثيوبية إظهارها للعالم. والصورة توضح الطبيعة الطينية لتلك الوديان العميقة والمنتشرة بكثرة في قاع بحيرة التخزين.

بينما الصورة توضح بعض الوديان العميقة بأعلى الجبال المحيطة ببحيرة التخزين والمنتظر وصول المياه لمستوها عند بداء التخزين وإرتفاع عمود المياه امام البنيان الخرساني بقرابة 145 متر حيث سيتم إغراق معظم تلك الجبال والتي تحتوي كل منها على العشرات من الوديان العميقة والتي سوف تتسرب منها ماء البحيرة بكميات ضخمة لتتجمع مرة أخري في قنوات أرضية جيولوجية عميقة تمثل شبكة عنكبوتية لمسار المياه الجوفية ومنها ما سيذهب لدولة كينيا أو دولة جنوب السودان.

على مدار الأعوام الأربعة الماضية حاولت الحكومة الإثيوبية احتجاز قدر من مياه الفيضان أمام السد لتسمح للطمي المنجرف مع مياه الفيضان بالترسيب على قاع البحيرة في محاولة من الحكومة الإثيوبية في إطماء تلك الوديان وإغلاقها تماما إلا أن التجربة فشلت بسبب ضخامة تلك الوديان وتسربت المياه والطمي معا بداخلها دون حدوث أي إنسداد لها. كما أن مساحة الإطماء السطحية التي تم اختبارها لا تزيد عن 40 كيلومتر مربع فقط من إجمالي مساحة سطحية لبحيرة التخزين تعادل 1874 كيلومتر مسطح. الصورة توضح محاولة إطماء الوديان العميقة بقاع بحيرة التخزين.

والسؤال الذي يفرض نفسه علينا هنا اليوم، لماذا ترفض الحكومة المصرية مواجهة إثيوبيا بكل تلك الحقائق الفنية والهيدروجولوجية وتتغاضي بشكل متعمد عن كل تلك المخالفات والتي سيدفع ثمنها الشعب المصري بعد استكمال تشغيل سد النهضة. فالوقت المتبق على بداء التخزين قرابة عام ومن المستحيل علاج تلك الأمور الفنية بعد ملء البحيرة حيث سيكون من الصعب جدا تحديد موقع تلك الوديان لكونها مغطأة بطبقة تربة سطحية تذاب تدريجيا مع غمرها بمياه البحيرة. وهذا الأمر معروف جيدا لعلماء الجيولوجيا المتابعين لخواص موقع سد النهضة والذي يتكون من طبقة صخرية بازلتية مفككة وغير مستقرة بسبب كثرة الفوالق الأرضية بها.

على الرغم من إصرار الحكومة الإثيوبية على ملء بحيرة التخزين بقرابة 100 مليار متر مكعب من تدفقات النيل الأزرق على مدار ثلاث سنوات فقط بداية من أغسطس 2020 حتى ديسمبر 2022 إلا أن وجود تلك الوديان العميقة قد يفسد مخطط الحكومة الإثيوبية تماما ويصبح من الصعب عليها تحقيق بناء عمود هيدروستاتيكي أمام السد بإرتفاع 140 متر. هذا على الرغم من حجزها لكامل تدفقات النهر وذلك بسبب زيادة حجم التسريبات بتلك الوديان العميقة.

ومع وصول عدد من الشركات الصينية لموقع سد النهضة منذ بداية هذا العام للإسراع في استكمال الإجراءات الميكانيكية والكهربائية لـسد النهضة ومع اقتراب موعد إنتخابات الرئاسة والبرلمان الإثيوبي خلال شهر مايو 2020 فإنه من المرجح جدا أن لا تنتظر الحكومة الإثيوبية حتى وصول فيضان أغسطس 2020 لتبدا في التخزين وربما قد تبدا في التخزين خلال فيضان أغسطس 2019 القادم بعد عدة أشهر وذلك لأهمية ورقة (سد النهضة) في حشد الأصوات الانتخابية للرئيس الوزراء الإثيوبي (أبي أحمد) الذي يراهن على تلك الورقة ليكسب مزيد من المقاعد البرلمانية لجبهة (الأورمو) على حساب خسائر أحزاب قبيلة (التيجراي). وأن إعلان بداء التخزين بـسد النهضة قبل بداء الانتخابات ستكون دفعة معنوية هائلة لرئيس الوزراء وذلك لما تمثله من انتصار نفسي وتاريخي للمواطن الإثيوبي والذي يري في رئيس وزراء إثيوبيا الحالي أنه (أحمس إثيوبيا) الذي قطع يد (الهكسوس المصريين) الممتدة على نهر (آباي) أي (النيل الأزرق).

أخيرا، إنني كمواطن مصري متخصص في هندسة السدود أطالب الحكومة ممثلة فى وزير الري بتصعيد ملف سد النهضة لمستويات سياسة أعلى من اللجنة الثلاثية لبلدان شرق النيل. وعرض كامل الأمر أمام المحكمة الدولية لأخذ قرار سريع بتشكيل لجنة فنية دولية للتقيم المشاكل الفنية بـسد النهضة قبل بداء التخزين.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى