تحقيقات

أمن مصر الغذائي في خطر بسبب سد النهضة .. وخبراء: الحل العسكري لإنقاذ حياة المصريين

كتب: محمود خالد كشفت تقارير إعلامية عن توقعات بفشل جولة المفاوضات المزمع عقدها بين مصر وإثيوبيا بشأن  سد النهضة والتى تتم برعاية أمريكية، مشيرة أن القادة الإثيوبيون يرون أن نهر النيل ليس شريان الحياة لـمصر فقط، ولكن لإثيوبيا أيضاً، مؤكدين أن الدولة الإثيوبية عازمة على استغلال هذه المياه التي تتدفق عبر أراضيها لتحقيق نهضتها المنشودة.

وأضافت التقارير، أن رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، شدد على أن البعض يتحدث عن استخدام القوة من جانب مصر يجب أن نؤكد أنه لا توجد قوة يمكنها منع إثيوبيا من بناء السد. إذا كانت ثمة حاجة لخوض حرب فيمكننا حشد الملايين. إذا تسنى للبعض إطلاق صاروخ، فيمكن لآخرين استخدام قنابل. لكن هذا ليس في صالح أي منا.

وعقب هذه التصريحات لرئيس الوزراء الإثيوبى، توقع خبراء أن مصر ربما تلجأ إلى الخيار العسكرى حال تأكدها تماما من فشل التفاوض مع الحكومة الإثيوبية بشأن تحديد عدد سنوات ملء خزان السد والمشاركة فى تشغيله، معتبرين ذلك الخيار هو الحل النهائى للجانب المصرى لحماية ملايين المصريين من تعرضهم للهلاك عطشا وجوعا، بسبب سد إثيوبيا، لافتين إلى أن مصر قد توجه ضربة عسكرية خاطفة للسد من دون أن يتحدثوا عن كيفية إجراء هذه الضربة أو سيناريوهات حدوثها وتبعاتها على الأمن المصرى والإقليمى والدولى.

إثيوبيا لا تحتاج المياه

من المؤكد ووفقا لخبراء الزراعة، إن إثيوبيا لا تحتاج المياه من أجل الزراعة كما هو الحال في مصر، ولكنها تسعى إلى أن تصبح إحدى قلاع الصناعة في شرق أفريقيا، من خلال تأسيس مجمعات صناعية متخصصة في مناطق متفرقة، ضمن خطة للتحول من اقتصاد زراعي إلى صناعي.

الاقتصاد الصناعي بديلا للزراعي

تمثل الصناعة حاليا فى إثيوبيا حوالي 5% فقط في الاقتصاد الإثيوبي، وتطمح خلق مليوني وظيفة في هذا القطاع بحلول 2025، وبالتالى يمكننا أن نطرح التساؤل التالى:

كيف ستجذب إثيوبيا استثمارات كافية إن لم تكن قادرة على توفير الطاقة اللازمة لتشغيل عجلة الإنتاج بهذه المصانع؟ كيف لدولة يعيش 56% من سكانها دون كهرباء أن تمضي قدماً في سبيل تحقيق نهضتها المنشودة؟

من هنا كان سد النهضة بالنسبة لإثيوبيا مسألة حياة أو موت لتوفير ليس فقط احتياجاتها من الطاقة فحسب، ولكن للتصدير أيضاً بنحو ملياري دولار سنوياً، وهو ما يعني تغطية تكلفة السد البالغة 5 مليارات تقريباً في أقل من ثلاث سنوات.

تنافر احتياجات المياه بين مصر وإثيوبيا

لا تعاني مصر أزمة في الطاقة الكهربائية كإثيوبيا، في الواقع تتمتع مصر بفائض في إنتاج الكهرباء يقدر بـ19 ألف ميجاوات بما يعادل 35% من الطاقة الإنتاجية لـمصر، ومن المتوقع أن تصل قدرة مصر الإنتاجية حوالي 60 ألف ميجاوات بحلول 2022 أي ضعف الاستهلاك الحالي تقريباً.

ومن ثم فإن الحديث عن تأثير سد النهضة على انخفاض منسوب المياه في بحيرة ناصر، ومن ثم قدرة السد العالي على توليد الكهرباء، لا معنى له من الناحية العملية، إذ تصل الطاقة الإنتاجية القصوى للسد العالي 2100 ميجاوات، أي أن مصر تحقق فائضاً يوازي 9 أضعاف هذا الرقم.

بالطبع هي خسارة من وجهة النظر الاقتصادية البحتة، ولكن لن يكون لها أي تأثير جوهري سواء على إمدادات الطاقة للصناعة أو للاستخدام المنزلي وبإمكان مصر تعويض هذه الخسارة بسهولة.

على صعيد آخر، من المتوقع أن تتأثر الزراعة بشكل ملحوظ. وقد اجتهد الباحثون في الحصول على تقدير لمدى هذا التأثير، مستخدمين بيانات تفصيلية وأساليب إحصائية متقدمة.

تأثير سد النهضة على الرقعة الزراعية

في بحوث علمية منشورة بمجلات دولية، توصل باحثان من جامعتى بنها والمنوفية إلى أن مصر معرضة لفقدان ما قد يصل إلى 46% من أراضيها الزراعية بسبب سد النهضة.

وقدر باحثان، من جامعة الزقازيق، أن مساحة الأرض الزراعية التي ستخسرها مصر جراء السد تمثل 29.5% في الوجه القبلي و23% في الدلتا من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية.

وفي سبتمبر الماضي قال وزير الموارد المائية والرى، إن نقص حصة مصر من مياه النيل بـ 1%، سيؤدي إلى فقدان مصر نحو 100 ألف فدان.

من الملاحظ أن السعة الاستيعابية لـسد النهضة تقدر بـ74 مليار متر مكعب من المياه، في حالة ملء الخزان على مدار ثلاث سنوات، كما أعلن الجانب الإثيوبي مراراً وتكراراً، فإن ذلك يعني اقتطاع حوالي 25 مليار متر مكعب من حصة كل من السودان ومصر سنوياً.

لنفترض أن كلتا الدولتين سيقتسمان ذلك الخصم بنفس نسبة نصيب كل منهما في مياه النهر الحالية؛ ذلك يعني انخفاض نصيب مصر من مياه النيل بمقدار 18.75 مليار متر مكعب على الأقل سنوياً.

إلا أن هناك حداً من النقصان يمكن لـمصر تحمله دون التأثير على الزراعة فيها، نظراً لإمكانية تعويضه من المياه المخزنة خلف السد العالي، يقدر ذلك الحد بحوالي 5.5 مليار متر مكعب سنوياً.

أي أن هناك عجزاً قدره 13.25 مليار متر مكعب سيؤثر بشكل سلبي مباشر على الزراعة في مصر، ولكن ما حجم ذلك التأثير على وجه التحديد؟

إذا قسمنا 13.25 على 55.5 فإن ناتج القسمة يكون انخفاضاً قدره 24% من مياه النيل سنوياً، ولما كان كل انخفاض بنسبة 1% سيؤدي إلى فقدان مصر حوالي 100 ألف فدان، فإن ذلك يعني خسارة 2.4 مليون فدان في مصر سنويًا، بمجموع 7.2 مليون فدان تقريباً على مدار ثلاث سنوات. وهو ما يعني خسارة حوالي 26% من مساحة الأراضى الزراعية في مصر!

على الناحية الأخرى، تتمسك مصر بملء الخزان على مدار 7 سنوات، وبإجراء نفس الحسابات السابقة نجد أنه، حتى إذا ما وافق الجانب الإثيوبي على ذلك، فإن مصر ستخسر حوالي 432 ألف فدان سنوياً، أي قرابة 3 ملايين فدان على مدار سبع سنوات.

من الجدير بالذكر هنا أن مدة ملء الخزان بالنسبة للسد العالي في أسوان كانت 12 عاماً كاملة.

أمن مصر الغذائي في خطر

ستؤدي خسارة هذه المساحة من الأراضي الزراعية إلى تهديد الأمن الغذائي المصري، وتزايد الاعتماد على استيراد الغذاء، بما لذلك من تعميق عجز ميزان المدفوعات، في وقت تعاني فيه مصر من نقص العملة الصعبة، وهو ما سيضغط على سعر الجنيه مقابل الدولار.

وقد بدأت بوادر ذلك في الظهور حيث ارتفعت الواردات في يوليو 2018 مقابل يوليو 2017، ويرجع ذلك في جزء منه إلى تقليص زراعة العديد من المحاصيل كإجراء احترازي منذ أدركت الحكومة أننا بصدد أزمة حقيقة في المياه، ولعل الأرز هو المحصول الأبرز على الإطلاق في هذا الصدد.

وفى عام 2015، كانت مصر مصدراً صافياً للأرز، إلى أن قررت وزارة الري تقليص المساحة المزروعة بالأرز من مليون و300 ألف فدان عام 2015 إلى 724 ألف فدان فقط في 2018، بسبب كثرة استهلاكه للمياه، بعد أن كانت مصر تحقق فائض إنتاج يوجه للتصدير قدره 528 ألف طن عام 2010، بدأت تحقق عجزاً قدره 14 ألف طن عام 2016، وبدأنا في الاستيراد، وارتفع العجز إلى 75 ألف طن عام 2018، ثم 160 ألف طن في يوليو 2019، ومن المتوقع أن يتفاقم ذلك العجز خلال السنوات القادمة بالتزامن مع ملء خزان سد النهضة.

ويمكن ملاحظة تكرار الجهاز المركزي للتعبئة العامة للإحصاء نفس النمط بالنسبة للعديد من المحاصيل الاستراتيجية الأخرى، خاصة محاصيل الحبوب كالفول والذرة بالإضافة إلى الموز وقصب السكر.

آثار اجتماعية مدمرة لسد النهضة

يمثل قطاع الزراعة 10% من الناتج المحلي الإجمالي في مصر، ويعمل به 5.62 مليون فرد، كل منهم يعول أسرة كاملة، أي أن هناك حوالي 25 مليون مواطن ترتبط حياتهم بشكل مباشر بـالزراعة.

لا شك أن كثيرا من هؤلاء سيفقدون عملهم ومصدر دخلهم بسبب سد النهضة، وهو ما يكرس الفقر في مصر، خاصة وأن معظم الفقراء هم من سكان الريف في الوجه البحري والقبلي، حيث يعاني 6.5 مليون مواطن مصري من الفقر المدقع، وفقا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أي أنهم بالفعل واقعين تحت ما يعرف بخط الجوع.

من جهة أخرى، تقع مصر تحت خط الفقر المائي منذ أوائل التسعينيات تقريباً، وبدأت في دخول مرحلة الفقر المدقع منذ 2018 كما يتضح من الشكل التالي، وهي كارثة ستشهد تفاقماً غير مسبوق خلال السنوات القادمة، في ظل نمو سكاني يبلغ مليوني نسمة سنوياً تقريباً من ناحية، وتراجع حصة مصر من مياه النيل من ناحية أخرى.

وبدأت تبحث عن بديل تروى به ظمأ ملايين المصريين من خلال تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الزراعى والصحى، وأنفقت مصر خلال الخمس سنوات ماضية نحو 200 مليار جنيه، ومن المتوقع أن تصل لـ 900 مليار جنيه بحلول عام 2037 من أجل إنشاء محطات لتحلية مياه البحر في المدن الساحلية، وفي الجنوب تنوي الحكومة تأسيس 52 محطة لمعالجة المياه، تم الانتهاء من 38 محطة منها حتى الآن.

كثير من هذه المشروعات تم تمويله عبر القروص، وإذا ما أضفنا لهذا الخسارة الاقتصادية الكبيرة الناجمة عن تراجع الإنتاج الزراعي، والتحول من مُصدر إلى مُستورِد للعديد من المحاصيل الزراعية، إلى جانب تضاعف أعداد الفقراء المحتاجين للدعم، سنجد أن الاقتصاد المصري سيكون في وضع شديد الحرج والخطورة جراء سد إثيوبيا العظيم، الذي يعدهم بالرخاء.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى