رئيس التحرير

أبناء المجتمع الريفي يموتون

د.أسامة بدير

بقلم: د.أسامة بدير

إحساس قوى يُسيطر على جميع جوارحى منذ شهور قليلة، رغم أننى أحاول دفعه بكل قوة، حتى استطيع العمل بجد وكفاح، واستمر فى مسيرة حياتى اليومية المعتادة.. الموت، كلمة مكونة من خمسة أحرف لكن لها معانى كثيرة فى قاموس الحياة الإنسانى.

صديقى القارىء.. قبل الدخول فى تفاصيل الإشكالية التى أود عرضها بين ثنايا هذا المقال.. أحب التأكيد على أمر غاية فى الأهمية، هو أننى لست من المُتشأمين أو الذين لا يحبون الحياة أو ممن يرفعون شعار السلبية واللامبالاة، ويُقررون تطبيق ذلك فى منهج حياتهم، وينعكس على جميع مفرادات تعاملهم اليومى مع الأخرين.

فقط أؤكد على حقيقة لا شك فيها، أننى دائما أحب الحياة وعاشق لجميع أنواع وأشكال العلاقات الاجتماعية التى تبنى وتعمر شبكة البناء والأمل فى العقول والنفوس، وتصون الحقوق والحريات، وتضمن وتؤكد على إنجاز كل عمل إنساني يسمو فوق المصالح الشخصية الضيقة ويصب فى مصلحة الوطن.

ورغم أن الموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى حياتنا، ونهاية حياة كل إنسان على ظهر المعمورة، إلا أننا يبدو كبشر بدت لنا هذه الحقيقة وقد غابت عن عقولنا، وأضحى المرء منا يحاول بكل ما يستطيع أن يتناسى هذه الحقيقة الدامغة.

لقد تحول الإنسان الذى هو أسمى شيىء فى الوجود إلى وحش كاسر، يريد أن يخرب ويدمر كل من حوله، من أجل أن يبقى هو، شخصية الأنا طغت على حياتنا، وسيطرت على عقولنا بشكل مخيف، خلال هذه الفترة التى يعيشها المجمتع بشقيه الريفى والحضرى، فى ظل تطورات متلاحقة على الصعيد الاجتماعى الاقتصادى ساهمت فى إعدام بنيته الاجتماعية.

وعلى اعتبار أننى مهتم برصد وتحليل إشكاليات المجتمع الريفى وكل ما يدور به وحوله ويُصيبه من ظواهر وإشكاليات وقضايا وهموم على صعيده الاجتماعى الاقتصادى، جاءت سطور هذا المقال، لعتبر عن فادحة انهيار المجتمع الريفى وبنائه الاجتماعى بعد تفسخ عناصر منظومته الاجتماعية الراقية، واستبدالها بمفرادات تشبعت بالعديد من الجرائم اللاأخلاقية وحوادث العنف بكل أشكاله.

لقد كان المجتمع الريفى على مر سنوات عديدة يتسم بحزمة من العادات والقيم الاجتماعية الحميدة التى ميزته على المجتمع الحضرى، بل وتفوق عليه بكل شفافية واقتدار، فهكذا أكدت جميع الكتابات النظرية للباحثين وعلماء الاجتماع خلال الخمسة عقود الماضية.

لكن اليوم، تغيرت الأحوال وتبدلت المواقف وتطورت الأوضاع وطغت أفكار وقيم غريبة كل الغرابة على أبناء المجتمع الريفى قولا وسلوكا، بفعل متغيرات فُرض بعضها عليهم وآخر من إنتاجهم، خلقت منهم أجيال لا علاقة لها بآصالة وعراقة المجتمع الريفى سابقا.

لقد ماتت جميع قيم وأخلاقيات القرية المصرية، وتم دفنها فى مقابر جامعة للريف المصرى بعد صراع طويل ومرير مع المرض، وبعد أن بح صوتى، وندائى المتكرر – لكل صاحب قرار يعيش على أرض هذا الوطن – بضرورة الاهتمام بالقرية، وأساسها الإنسان الريفى، من خلال بناء الفرد على الصعيد الإنسانى والحقوقى، لانه أساس النماء والتعمير والزراعة من أجل استمرار حياة ملايين المصريين.

وحتى يظل الإنسان الريفى كلمة السر فى استمرار الدولة المصرية، فلابد من إعادة بنائه اجتماعيا واقتصاديا وحضاريا قبل فوات الأوان رغم الخسارة الاجتماعية الفادحة التى مرت به طوال سنوات من الإهمال والتهميش.

مشكلات عديدة يعانى منها أبناء المجتمع الريفى رصدتها مئات الدراسات والبحوث العلمية خلال العشر سنوات الأخيرة، جميعها وضعت مقترحات قابلة للتنفيذ فى ظل الموارد المتاحة للمجتمع، ولم يبقى دخولها إلى حيز التطبيق إلا قرار المسؤول.

فربما يكون هذا هو النداء الأخير، الذى من خلاله أدق ناقوس الخطر لكل صاحب قرار فى هذا الوطن.. أبناء المجتمع الريفى يموتون .. فهل من منقذ؟!

للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى