تقارير

آفاق وتحديات إنتاج الغذاء في الوطن العربي

كتب: د.محمد شطا تشير تقارير الامم المتحدة إلى أن عدد سكان العالم سيصل إلى نحو 9,7 مليار نسمة في العام 2050، ويواجه العالم خلال هذا المستقبل المنظور، ثلاثة تحديات؛ ندرة المياه، إذ سيعيش نصف سكان العالم في مناطق تعاني من نقص المياه بحلول العام 2025، ونقص الغذاء الذي عانى منه 900 مليونًا في العام 2020، والتغير المناخي نتيجة زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.

د.محمد خليل محمد شطا

ويعيش اليوم 3,2 مليار نسمة في مناطق زراعية ذات مستويات عالية إلى عالية جدًا من النقص في المياه أو ندرتها، فيما يعيش 1,2 مليار نسمة من بينهم في مناطق تعاني من قيود حادة للغاية متصلة بـالمياه. ويعيش نصف هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم 1,2 مليار نسمة تقريبًا في آسيا الجنوبية، فيما يعيش حوالي 460 مليونًا منهم في شرق وجنوب شرق آسيا. وسوف يتأثر عدد كبير آخر ما لم تُتخذ إجراءات فورية.

تُصنَّف الدول العربية بحكم موقعها الجغرافي، من ضمن المناطق الجافة ذات الأنظمة البيئية الهشة؛ إذ يؤدي المناخ دورًا مهمًا في تركيبتها. وعملت هشاشة النظم البيئية، وسيادة المناخ الجاف، وقلة المياه، على زيادة اتساع رقعة التصحر في هذه البلدان.

إلا أن الآثار السلبية لهذه الظاهرة تزداد انتشارًا بمعدلات متسارعة, نظرًا لارتفاع درجة الحرارة الناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري، في حين يؤكد مختصون على أن العامل البشري ساهم بتسريع زحف الصحاري إلى المناطق الخضراء.

كيف ننتج كمية الغذاء ذاتها من مساحة 10 – 20% من المساحة المزروعة حالياً؟

كشفت دراسة حديثة، يقودها الباحث كريستيان فولبرث وزملاؤه، في المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية في النمسا، عن إمكانية إنتاج كمية الغذاء ذاتها، باستخدام مساحة اقل من الاراضي الزراعية.

ترسم الدراسة الجديدة، التي نشرها الباحثون في مجلة Nature Stability، منتصف أبريل/نيسان 2020، مستقبلًا إيجابيًا مطلوبًا لـزراعة الأراضي وإدارتها. وكشف العلماء عن احتمال يرفع إنتاجية المحاصيل الزراعية في البلدان الفقيرة، لتعادل الموجودة في البلدان الثرية. إذ نفذ الباحثون نمذجة للمحاصيل، تبين بموجبها أن سد فجوات الإنتاجية الحالية، من خلال تحسين مدخلات الأسمدة من الناحية المكانية، وتخصيص 16 محصولًا أساسيًا على امتداد الأراضي الزراعية العالمية، سيتيح خفض مساحة الأراضي الزراعية المطلوبة مع الحفاظ على مستوى الإنتاج الحالي بنسبة 50% تقريبًا من مساحتها الحالية.

سيحرر هذا الاحتمال نحو 1200 مليون فدان، ما يتيح للأرض باستعادة خصوبتها الطبيعية؛ وأشار الباحثين، أن «انخفاض مساحة الأراضي المزروعة سيخفض انبعاثات الغازات المُسبِّبة للاحتباس الحراري، من الأسمدة والمدخلات الزراعية، فضلًا عن انخفاض متطلبات مياه الري، بينما تبقى متطلبات مدخلات الأسمدة العالمية دون تغيير.

عرض الباحثون في دراستهم، لاحتمال ثانٍ، يرجح التخلي عن الأراضي الزراعية، في النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي؛ وهي مناطق جغرافية تشكل مستودعًا مهمًا للتنوع البيولوجي، ومهددة بالتدمير. فضلًا عن تحرير 20% من مساحة الأراضي الزراعية بشكل موحد لعناصر المناظر الطبيعية الأخرى؛ ورأى الباحثون أن هذا الاحتمال سيسمح بتقليل متطلبات الأراضي الزراعية بنسبة 40% تقريبًا.

وتمثل اقتراحات الباحثين، احتمالات واعدة لتحقيق الأمن الغذائي مستقبلًا، وهي قابلة للتطبيق في العالم العربي، إلى جانب مراعاتها لتطبيق التقنيات الحديثة، والأخذ بعين الاعتبار التحولات الجديدة في الاستهلاك، نحو مصادر البروتين البديلة؛ مثل اللحوم النباتية؛ ما يقلل من متطلبات الأراضي الزراعية.

وعلي مدار السبعة اعوام الاخيرة قامت الحكومة المصرية باطلاق مبادرات عديدة للتنمية الزراعية المستدامة ومنها مشروع الـ100 الف فدان صوب زراعية وتطوير الري الحقلي وتبطين الترع والمصارف وتطوير الريف المصري وجميعها تتواكب مع الاستخدام الاقل للاراضي الزراعية واستهلاك المياه والمحافظة علي الانظمة البيئية كما تتميز بالاتي:

1- زراعة الخضروات بغير موعدها: زراعة النباتات بمواعيد مختلفة مختلفة بغير المعتداد عليها خاصة الخضروات الصيفية التي كنا نزرعها في شهري 2 – 3 من كل عام وتتوفر في الأسواق بأشهر الصيف، أما اليوم فأصبحنا نستطيع إعادة زراعتها مرة أخرى بشهري 9 – 10 من كل عام وتتوفر في الأسواق شتاءً، ما جعل هذه الخضروات موجودة طوال العام بدون انقطاع تقريباً.

2- زيادة الإنتاج والجودة: تعتمد الزراعة في البيوت المحمية على الزراعة الرأسية ما يزيد من كبر حجم النبات طولياً، حيث أن اغلب النباتات التي تزرع في البيوت المحمية هي نباتات غير محدودة النمو نموها وإنتاجها يتم بشكل طولي، ما يزيد من حجم النبات وأعدادة في المتر المربع وينعكس على الإنتاج.

نضرب مثال بسيط وهو أن إنتاج دونم الطماطم في المتوسط في الحقل المفتوح لا يتجاوز 4 طن، ولكن داخل البيوت المحمية بتجاوز الـ15 طن. وهذا لا يعود فقط كون النبات بـالبيوت المحمية ينمو رأسياً بل أيضاً أن النبات يجد الظروف المناسبة للنمو لفترة طويلة تمتد لـ9 شهور مع الاحتفاظ بالجودة الفائقة للمنتجات.

3- التبكير في الانتاج الزراعي: لا تقتصر البيوت المحمية على الزراعة فقط بل كونها بيئة صالحة للإنبات بسبب التحكم بدرجات الحرارة والعوامل الجوية الأخرى، حيث يمكننا زراعة بذور النباتات في هذه البيوت التي يطلق عليها المشتل للحصول على أشتال بمتوسط عمر شهر، وهذا يوفر على المزارع شهر من مدة الزراعة ما ينعكس على الإنتاج المبكر للمحصول.

كما أن الشتلات تجد الرعاية الكافية من تطهير وتغذية خاصة ما يزيد من قوتها وزيادة صحتها وينعكس على إنتاجية النباتات خلال موسم النمو والإنتاج وبالتالي يزيد من دخل المزارع.

4- تقليل المدخلات وزيادة الأرباح: لا شك أن الزراعة بـالبيوت المحمية مربحة مادياً، ويرجع ذلك الى التقليل والتوفير في المدخلات من خلال أن البيت المحمي تقل بداخلة الحشرات والأمراض نتيجة التحكم بالبيت المحمي ويقلل من استخدام المبيدات. كما أن كمية مياه الري المستخدمة داخل البيوت أقل من الحقل المكشوف نتيجة عدم التخلص من الرطوبة، ما يضطرنا الى التقليل من الري والتحكم في التسميد وغيره من مدخلات.

استثمار التقنيات الحديثة في الإنتاج الزراعي

بدأت نظم زراعية عدة حول العالم، بالاستعانة بالتقنيات الحديثة لرفع الإنتاجية وتوفير الموارد ومكافحة الآفات، وأثبتت تلك الطرق جدواها، إذ تستخدم الطائرات دون طيار اليوم في عشرات التطبيقات من التصوير التلفازي إلى رش المحاصيل والوصول إلى أماكن يصعب على الإنسان الوصول إليها.

بإمكان الدول العربية، الاستفادة من التقنيات الحديثة، والتطور الهائل في مجال الطائرات دون طيار، واستثمارها في تعزيز القطاع بما يرفع من الإنتاجية، خاصة أن تكلفتها انخفضت كثيرًا في الأعوام الأخيرة.

أثبتت تجارب عالمية جدوى استخدامها لمراقبة أساليب الزراعة عن كثب والحد من التلوث، وزيادة إنتاجية المحاصيل، ومراقبة الفيضانات، ووضع اليد على أسباب انخفاض الإنتاج، والحد من تعرية التربة وتلوث الأنهار، في نظامٍ تولت الوكالة البيئية الأوربية اختباره في العام 2018، مع قابلية تعديل تلك الطائرات بما يتناسب وأجواء المنطقة والحاجات الخاصة لكل دولة.

يمكن استخدام الطائرات دون طيار لإلقاء آلاف البذار آليًا، بالاستعانة بخوارزميات ذكاء اصطناعي خاصة، ما يقلل الجهد العضلي للفلاح، ويسهم في تكثيف الغطاء النباتي، مع التصدي لتبعات كوارث الحرائق.

توفر خوارزميات الذكاء الاصطناعي بيانات هائلة أيضًا، عن صلاحية التربة وإيجاد أكثر المناطق مواءمة لنمو البذور، ومتابعة نموها لاحقًا بجولات استطلاعية لطائرات دون طيار، لضمان ديمومة المشروعات. إذ تُجري الطائرات دون طيار مسحًا لتلك المناطق، لتحديد معايير سرعة الرياح واتجاهها والرطوبة، وبعد إرسال تلك البيانات وحفظها في تطبيق خاص على الإنترنت، يجري الذكاء الاصطناعي مقارنة للوصول إلى بيئة مُثلى للزراعة، للوصول خريطة متكاملة.

تعديل الطقس.. الاستمطار 

ـ قامت بعض الدول بتصميم مميز لناطحة سحاب تعدل الطقس، إذ يحاصر التغير المناخي كوكبنا ويرفع من درجات الحرارة، ويميل الجفاف للاستمرار لفترات أطول. في المستقبل البعيد سيصبح تعديل المناخ ضروريًا لتوليد الهطولات المطرية، وتدعى هذه الأبنية «صانعة السحاب» من خلال تقنية الاستمطار التي أصبحت مُستخدَمة منذ عقود، إذ يُطلَق يوديد الفضة نحو السحاب لجمع الرطوبة.

ـ تحويل الأبنية القديمه وغير المستغلة إلى مولدات طاقة، وذلك بتغطيتها بالالواح الشمسية وتحويلها الي مولدات كهرباء تضىء ما حولها.

تشجير الصحاري

ـ تبقى الدول العربية بحاجة إلى تكثيف الجهود لإيجاد حلول تتصدى للمعضلة التصحر، وتحد من آثارها السلبية على جميع الأصعدة؛ البيئية والاجتماعية والاقتصادية، في ظل التوسع العمراني غير المنتظم، على حساب الأراضي الزراعية، إلى غير ذلك من جوانب الضغط على موارد الأراضي.

ـ ابتكر الباحث والمهندس الهولندي «جوريان رويس،» الرئيس التنفيذي لشركة «لاند لايف كومباني» طريقة رائدة لـتشجير الصحاري تمتاز بانخفاض التكاليف وسهولة التنفيذ، ما قد يشكل حلًا مثاليًا لمشكلة التصحر المتفاقمة في العالم العربي.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى